من آخر درجات الوادى الأيمن فمغترفه شاطئ الوادى الأيمن دون لجته ومبدئه. وإن كان روح النبى سراجاً منيراً، وكان ذلك الروح مقتبساً بواسطة وحى كما قال: {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} فما منه الاقتباس مثاله النار، وإن كان المتلقنون من الأنبياء بعضهم على محض التقليد لما سمعه، وبعضهم على حظ من البصيرة، فمثال حظ المقلد الخبر، ومثال حظ المستبصر الجذوة والقبس والشهاب. فإن صاحب الذوق مشارك للنبى في بعض الأحوال. ومثال تلك المشاركة الاصطلاء. وإنما يصطلى بالنار من معه النار، لا من يسمع خبرها. وإن كان أول منزل الأنبياء الترقي إلى العالم المقدس عن كدورة الحس والخيال، فمثال ذلك المنزل الوادى المقدس. وإن كان لا يمكن وطء ذلك الوادى المقدس إلا باطّراح الكونين - أعنى الدنيا والآخرة - والتوجه إلى الواحد الحق، ولأن الدنيا والآخرة متقابلتان متحاذيتان (و 13ـ ب) وهما عارضان للجوهر النورانى البشرى يمكن اطراحهما مرة والتلبس بهما أخرى، فمثال اطّراحهما عند الإحرام للتوجه إلى كعبة القدس خلع النعلين. بل نترقي إلى حضرة الربوبية مرة أخرى ونقول:
إن كان في تلك الحضرة شىء بواسطته تنتقش العلوم المفصّلة في الجواهر القابلة لها فمثاله "القلم". وإن كان في تلك الجواهر القابلة ما بعضها سابق إلى التلقى، ومنها تنتقل إلى غيرها، فمثالها "اللوح المحفوظ"