ثم إذا اتضح له ما فوقه مما رتبته رتبة القمر، رأى دخول الأول في مغرب الهُوِىّ بالإضافة إلى ما فوقه فقال: {لا أُحِبُّ الآفلين} وكذلك يترقي حتى ينتهى إلى ما مثاله الشمس فيراه أكبر وأعلى، فيراه قابلا للمثال بنوع مناسبة له معه. والمناسبة مع ذى النقص نقص وأفُول أيضاً. فمنه يقول: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض حَنِيفاً} . ومعنى "الذى" إشارة مبهمة لا مناسبة لها: إذ لو قال قائل ما مثال مفهوم "الذى" لم يتصور أن يجاب عنه. فالمنتزه عن كل مناسبة هو الأول الحق. ولذلك لما قال بعض الأعراب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما نسب الإله؟ " نزل في جوابه {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} إلى آخرها (و 12ـ ب) معناه أن التقديس والتنزه عن النسبة نسبته. ولذلك لما قال فرعون لموسى: "وما رب العالمين" كالطالب لماهيته، لم يجب إلا بتعريفه بأفعاله، إذ كانت الأفعال أظهر عند السائل، فقال: {رَبُّ السماوات والأرض} ، فقال فرعون لمن حوله {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} كالمنكر عليه في عدوله في جوابه عن طلب الماهية، فقال موسى: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين} ، فنسبة فرعون إلى الجنون إذ كان مطلبه المثال والماهية؛ وهو يجيب عن الأفعال، فقال: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} .