وهذا الكلام خطأ؛ لأننا لم نسمع عن أحد من الدعاة الذين دخلوا هذه المجالس أعلن أنه سيقيم دولة الإسلام من خلال هذه المجالس، كل ما يقولونه: إنهم سيعملون على الجهر بالحق، ومساندة الخير والإصلاح، ودعم الإيجابيات، وتقديم الحلول الإسلامية لمشاكل المجتمع، وإنكار المنكر، ومحاربة الظلم والفساد، وقمع الانحلال. بالإضافة إلى تحقيق بعض المصالح للدعوة الإسلامية والدعاة، كحرية العمل الدعوي، ورفع الظلم والبطش عنهم.
أما قولهم: إن النظم الحاكمة ومن يساندها سينقلبون على نتائج الانتخابات، فإن الله قد كلفنا بالعمل ولم يطالبنا بالنتائج، فالكل ينثر الحب ويرجو رحمة ربه.
أما المجيزون لدخول الانتخابات (محلية وبرلمانية وغيرها) وكذلك المشاركة في المجالس النيابية التشريعية، فهم أكثرية علماء الأمة.
وقد استدلوا على إجازتهم للمشاركة بقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]، ووجه الدلالة في الآية: أن هذه المجالس منبر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تمامًا كمنبر المسجد والتلفاز والمجلة، بل هي أجدى وأقوى وأبعد أثرًا في حياة المجتمعات. ولا يعقل أن نترك مكانًا كهذا - مع ما له من تأثير في الحياة العامة للأمة - يعتدى فيه على الشرع، ويقرر فيه نقيضه، دون أن نأمر بالمعروف وندعمه، وننهي عن المنكر ونقمعه.
ويحتجون بقوله تعالى أيضًا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125]، فإذا أمكن للحركات الإسلامية أن تعلن حكم الشرع في المسائل المعروضة على رؤوس الأشهاد في تلك المجالس، وتدعو إلى تطبيق شريعة الله، وتنقل ذلك وسائل الإعلام للأمة كلها، كان حينئذ لزامًا علينا فعل ذلك.
ويحتجون كذلك بقوله تعالى: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63]، فالآية ذمت هؤلاء لعدم قيامهم بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.