دِينِكَ وَدِينِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا وَدِينٍ لَا نَعْرِفُهُ مِنَ الْأَدْيَانِ فَارَقُوا بِهِ أَشْرَافَهُمْ وَخِيَارَهُمْ وَأَهْلَ الرَّأْيِ مِنْهُمْ فَانْقَطَعُوا بِأَمْرِهِمْ مِنْهُمْ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَيْكَ لِتَمْنَعَهُمْ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَآبَائِهِمْ، وَكَانُوا هُمْ بِهِمْ أَعْلى عَيْنًا فَارْدُدْهُمْ إِلَيْنَا لِنَرُدَّهُمْ عَلَى آبَائِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ فَارْدُدْهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ بِقَوْمِهِمْ فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَفْعَلُ، قَوْمٌ نَزَلُوا بِلَادِي، وَلَجَئُوا إِلَيَّ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا فَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَا تَكَلَّمُونَ بِهِ الرَّجُلَ، فَقَالُوا: نُكَلِّمُهُ بِالَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ فَجَمَعَ بَطَارِقَتَهُ وَأَسَاقِفَتَهُ، وَأَمَرَهُمْ فَنَشَرُوا الْمَصَاحِفَ حَوْلَهُ فَتَكَلَّمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ فَارَقْتُمْ دِينَهُمْ، وَلَمْ تَتَّبِعُوا دِينِي وَلَا دِينَ الْيَهُودِ فَأَخْبِرَانِي بِدِينِكُمُ الَّذِي فَارَقْتُمْ بِهِ قَوْمَكُمْ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: كُنَّا عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْرِهِمْ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَعَفَافَهُ، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَرَنَا بِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَكُلِّ مَا تَعْرِفُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، وَتَلَا عَلَيْنَا تَنْزِيلًا لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ فَصَدَّقْنَاهُ، وَآمَنَّا بِهِ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَفَارَقْنَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْمَنَا فَآذُونَا وَقَسُونَا، فَلَمَّا بَلَغَ مِنَّا مَا [ص:73] نَكْرَهُ وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَخْرُجَ إِلَى بِلَادِكَ اخْتِيَارًا لَكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ لِتَمْنَعَهُمْ مِنَ الظُّلْمِ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: فَهَلْ مَعَكُمْ مِمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ تَقْرَءُونَهُ عَلَيَّ فَقَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَرَأَ جَعْفَرٌ كهيعص، فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِ بَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ، قَالَ: وَأُرَاهُ قَالَ: وَلِحَاهُمْ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَالْكَلَامَ الَّذِي جَاءَ مُوسَى لَيَخْرُجَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمُ إِلَيْكُمَا وَلَا أُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمَا فَالْحَقَا بِشَأَنْكُمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَخَرَجَا مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودٌ أَمْرُهُمَا، فَقَالَ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا بِقَوْلٍ أَبْتَرُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لِلْقَوْمِ رَحِمًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا فَمَا نُحِبُّ أَنْ يَبْلُغَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَخَلَا عَلَيْهِ، فَقَالَا: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ عَبْدٌ , فَسَلْهُمْ عَنْ ذَلِكَ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فَمَا نَزَلَ بِنَا قَطُّ مِثْلُهَا، قَالُوا: قَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ عِيسَى إِلَهُهُ الَّذِي يُعْبَدُ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ نَبِيَّكُمْ