يوسف مع ذلك لم يمتنع كما ذكرنا من إقامة ما أقامه من العدل، ومن فعل ما فعله معهم من الإحسان وهو مع كل ذلك لم يستطع في كل ذلك أن يغير نظامهم في الحكم، ولا تشريعهم الباطل .. بدليل أنه لما دبر مكيدة استبقاء أخيه عنده لم يطبق عليه قانون ملك مصر، وإنما طبق عليه ما عند بني إسرائيل في إسترقاق اللص كما قال تعالى: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)} [يوسف: 74 - 75] أي وجد في رحله فهو جزاؤه أن يسترق فأجرى يوسف عليه السلام قانونهم وتشريعهم في ذلك كما قال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، ودين الملك هنا هو تشريع ملك مصر .. ولا شك أن شرعته في اللصوص وغيرهم كانت مخالفة لشرعة الأنبياء ... وهذا كله يدل على أنه فعل ما يستطيع من العدل والإحسان ولم يمكنه أن يغير نظامهم إلى الإسلام.

وقد شكر يوسف الله سبحانه وتعالى عما ولاه من الملك فيهم حيث يقول: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].

وهذه الآيات واضحة صريحة الدلالة أنه يشرع للمسلم إذا هيئت له الفرصة أن يقيم العدل في قوم من الكفار ألا يمتنع عن ذلك.

بل قد يأثم إذا كانوا في حاجة إلى عدله وعلمه فامتنع من ذلك. هذا إذا كانوا كفاراً .. فكيف إذا كانوا مسلمين، وكانت حاجتهم أن يتولى شئونهم أهل الدين والصلاح لا أهل الفساد والإفساد؟

ب- النجاشي -رحمه الله- وولايته ملك الحبشة:

وأما النجاشي -رحمه الله- فلا شك كذلك في أنه آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومات على الإيمان، وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم عليه كما روى الإمام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015