والمسلم قد يضطر للتحاكم إلى القوانين الكفرية إذا لم يكن هناك وسيلة لتحصيل الحقوق أو دفع الأذى إلا بذلك، ولسنا نرى في ذلك رضى بتلك القوانين، وإنما هي محاولة للاستفادة من أوضاع الجاهلية وقوانينها في تحقيق المصلحة للمسلمين كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل مكة في جوار المطعم بن عدي، وكما هاجر المسلمون إلى الحبشة ورضوا بالعيش في ظل حكم كافر وهو النجاشي (قبل أن يسلم)،وكما قبل يوسف عليه السلام الولاية بل طلبها من الملك الكافر، ولم يكن ذلك رضى منه عليه السلام بكفر ذلك الملك، ولا حمله ذلك على موالاة الكفار وعدم بغضهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر؛ بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه كفارا، كما قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ [غافر:34]. وقال تعالى عنه: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ [يوسف:39 - 40]. ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].) (?).
رابعاً: أما ما يثيره البعض من مسألة أن العضو المنتخب يُلزَم بأن يقسم أن يحافظ على الدستور والقانون، رغم ما فيهما من أمور تخالف شرع الله، فالذي أراه أنه يمكن للمقسم أن يتأول ذلك على أن مقصوده ما تتضمنه تلك الدساتير من النص على أن الإسلام دين الدولة والشريعة هي مصدر تشريعاتها، خصوصاً وأن هناك من القانونيين من يرى أن النص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع يلزم المشرع بالالتجاء