الأصلح لم يَحبِط جميع عمله الصالح بكلمة الكفر التي مات عليها، ولا سيما إن طال عمره، وقرب موته من كفره.

23 - (ومنها): أنه استدل به بعض المعتزلة على أن من عمل عمل أهل النار وجب أن يدخلها؛ لترتب دخولها في الخبر على العمل، وترتبُ الحكم على الشيء يُشعِر بعليته.

وأُجيب بأنه علامة لا علة، والعلامة قد تتخلف، سلمنا أنه علة، لكنه في حق الكفار، وأما العصاة فخرجوا بدليل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116]، فمن لم يُشرك فهو داخل في بالمشيئة.

24 - (ومنها): أنه استدل به الأشعري في تجويزه تكليف ما لا يطاق؛ لأنه دلّ على أن الله كَلَّفَ العباد كلهم بالإيمان، مع أنه قَدَّرَ على بعضهم أنه يموت على الكفر.

وقد قيل: إن هذه المسألة لم يثبت وقوعها إلا في الإيمان خاصة، وما عداه لا توجد دلالة قطعية على وقوعه، وأما مطلق الجواز فحاصل.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تعقّب بعض المحقّقين هذا الاستدلال، وأجاد في ذلك، فقال: إطلاق القول بالتكليف بما لا يُطاق من البدع المحدثة من المتكلّمين في أصولي الدين والفقه، والحقّ فيه التفصيل، فتكليف ما لا يُطاق لعجز العبد عنه عادةً، كالمشي على القفا، أو على الرأس وغيره، فهو غير موجود في الشريعة البتّة، قال سبحانه وتعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وقال أيضًا: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}، وقال: {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وقال سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، فهو مما رفق الله سبحانه وتعالى به علينا من الحرج، فخفّفه على عباده، {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6].

وأما تكليف ما لا يُطاق لا للعجز عنه، بل للاشتغال بضدّه من الكفر والفسوق والعصيان، فهذا مما جاءت به الشريعة أمرًا ونهيًا، وتسميته بما لا يطاق خطأٌ، ولم يَرِد بها الشرع الحنيف. وراجع في هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015