آخر، ورتبها في الحديث بـ "ثُمَّ" إشارةً إلى المدة التي تتخلل بين الطورين ليتكامل فيها الطور، وإنما أتى بـ "ثم" بين النطفة والعَلَقة؛ لأن النطفة قد لا تتكون إنسانًا، وأتى بـ "ثم" في آخر الآية عند قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} الآية [المؤمنون: 14] ليدل على ما يتجدد له بعد الخروج من بطن أمه، وأما الإتيان بـ "ثم" في أول القصة بين السُّلالة والنطفة، فللإشارة إلى ما تخلل بين خلق آدم وخلق ولده.

ووقع في حديث حُذيفة بن أَسيد عند مسلم ما ظاهره يخالف حديث ابن مسعود، ولفظه: "إذا مَرّ بالنطفة ثلاث وأربعون"، وفي نسخة: "ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحميها وعظمها، ثم قال: أي رب أذكر أم أنثى، فيَقضِي ربك ما شاء، ويَكتُب الملك، ثم يقول: يا رب أجله ... " الحديث، هذه رواية عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن حُذيفة بن أَسِيد في مسلم، ونسبها عياض في ثلاثة مواضع من شرح هذا الحديث إلى رواية ابن مسعود، وهو وَهَمٌ، وإنما لابن مسعود في أول الرواية ذِكْرُ قوله: "الشقيُّ من شَقِيَ في بطن أمه، والسعيدُ من وُعِظ بغيره"، فقط، وبقية الحديث إنما هو لحذيفة بن أَسيد، وقد أخرجه جعفر الفريابي من طريق يوسف المكيّ، عن أبي الطفيل عنه بلفظ: "إذا وقعت النطفة في الرحم، ثم استقرت أربعين ليلةً، قال: فيجيء ملك الرحم فيدخل، فيصور له عظمه ولحمه وشعره وبشره وسمعه وبصره، ثم يقول: أي رب أذكر أو أنثى؟ ... " الحديث.

قال القاضي عياض: وحمل هذا على ظاهره لا يصح؛ لأن التصوير بأثر النطفة وأولِ العَلَقة في أول الأربعين الثانية غير موجود ولا معهود، وإنما يقع التصوير في آخرِ الأربعين الثالثة، كما قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} الآية [المؤمنون: 14]، قال: فيكون معنى قوله: "فصوّرها الخ": أي كتب ذلك، ثم يفعله بعد ذلك، بدليل قوله بعدُ: "أذكر أو أنثى؟ "، قال: وخلقه جميعَ الأعضاء، والذكوريةُ والأنثوية، يقع في وقت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015