ومن وجده جافيًا، قاسي القلب، ضاريًا بالطبع، متنائيًا عن الحقّ أثبت ذكره في ديوان الأشقياء الهالكين، وكتب له ما يُتَوَقَّع منه من الشرور والمعاصي، هذا إذا لم يعلم من حاله وقوع ما يَقتضي تغيّر ذلك، وإن علم من ذلك شيئًا كتب له أوائل أمره وأواخره، وحكم عليه وفقَ ما يَتمّ به عمله؛ فإن مِلاك العمل خواتمه، وهو الذي يسبق إليه الكتاب، فيعمل عمل أهل الجنّة. انتهى كلام الطيبيّ رحمه الله (?).
وقال في "الفتح": واللام فيه -أي الملك- للعهد، والمراد به عهد مخصوص، وهو جنس الملائكة الموكلين بالأرحام، كما ثبت في رواية حُذيفة بن أَسِيد من رواية ربيعة بن كلثوم: "أن ملكا موكلا بالرحم"، ومن رواية عكرمة بن خالد: "ثم يَتَسَوَّر عليها الملك الذي يُخَلِّقها"، وهو بتشديد اللام، وفي رواية أبي الزبير عند الفريابي: "أتى ملكُ الأرحام"، وأصله عند مسلم، لكن بلفظ: "بعث الله ملكًا"، وفي حديث ابن عمر: "إذا أراد الله ان أن يخلُق النطفة، قال ملك الأرحام"، وفي حديث أنس عند البخاريّ: "وكّل الله بالرحم ملكًا".
وقال الكرماني: إذا ثبت أن المراد بالملك مَن جُعل إليه أمرُ تلك الرحم، فكيف يُبْعَث، أو يُرسل؟.
وأجاب بأن المراد أن الذي يُبْعَث بالكلمات غير الملك الموكل بالرحم الذي يقول: "يا رب نُطفة الخ"، ثم قال: ويحتمل أن يكون المراد بالبعث أنه يؤمر بذلك.
قال الحافظ: وهو الذي ينبغي أن يُعَوَّل عليه، وبه جزم القاضي عياض وغيره.
وقد وقع في رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن الأعمش: "إذا استقرت النطفة في الرحم أخذها الملك بكفه، فقال: أي رب أذكر أو أنثى ... " الحديث، وفيه: فيقال: انطلق إلى أم الكتاب، فإنك تجد قصة هذه النطفة، فينطلق فيجد ذلك"، فينبغي أن يفسر الإرسال المذكور بذلك.