خمسة إلى تمام ثلاثة أيام، ثم تنفذ الدموية فيه إلى تمام خمسة عشر، فتتميز الأعضاء الثلاثة، ثم تمتد رطوبة النخاع إلى تمام اثني عشر يومًا، ثم ينفصل الرأس عن المنكبين، والأطراف عن الضلوع، والبطن عن الجنين، في تسعة أيام، ثم يتم هذا التمييز بحيث يظهر للحس في أربعة أيام، فيكمل أربعين يومًا، فهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يُجمَع خلقه في أربعين يومًا"، وفيه تفصيل ما أُجمل فيه.

ولا ينافي ذلك قوله: "ثم تكون علقة مثل ذلك"، فإن العلقة وإن كانت قطعة دم لكنها في هذه الأربعين الثانية تنتقل عن صورة المني، ويظهر التخطيط فيها ظهورًا خفيا على التدريج، ثم يتصلب في الأربعين يومًا بتزايد ذلك التخليق شيئًا فشيئًا حتى يصير مضغة مخلقة، ويظهر للحس ظهورا لا خفاء به، وعند تمام الأربعين الثالثة، والطعن في الأربعين الرابعة يُنفخ فيه الروح كما وقع في هذا الحديث الصحيح، وهو ما لا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي، حتى قال كثير من فضلاء الأطباء، وحُذّاق الفلاسفة إنما يُعرَف ذلك بالتوهم والظن البعيد، واختلفوا في النقطة الأولى أيها أسبق، والأكثر نقط القلب، وقال قوم: أول ما يُخلق منه السرة؛ لأن حاجته من الغذاء أشد من حاجته إلى آلات قواه، فإن من السرة ينبعث الغذاء، والحجب التي على الجنين في السرة كأنها مربوط بعضها ببعض، والسرة في وسطها، ومنها يتنفس الجنين، ويتربى وينجذب غذاؤه منها.

(ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ) أي مثل مدة الزمان المذكور في الاستحالة، و"المضغةُ": قطعة اللحم، سُمِّيت بذلك لأنها قدرُ ما يَمْضَغُ الماضغ.

(ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّه إِلَيْهِ الْمَلَكَ) وفي رواية البخاريّ: "ثم يبعث الله ملكًا"، وفي رواية له: "ثم يُبْعَثُ إليه ملكٌ"، ولمسلم بلفظ: "ثم يُرسل الله".

أي يبعث الله إليه الملك في الطور الرابع حينما يتكامل بنيانه، وتتشكّل أعضاؤه، فيعيّن، ويُنقش فيه ما يليق به من الأعمال والأعمار والأرزاق حسبما اقتضته حكمته، وسبقت كلمته، فمن وجده مستعدّا لقبول الحقّ واتّباعه، ورآه أهلا للخير، وأسباب الصلاح، متوجّهًا إليه أثبته في عِداد السعداء، وكتب له أعمالًا صالحةً تناسب ذلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015