كَمَا أَنَّهُمْ في هَذِهِ الدَّارِ هَكَذَا ... بَلِ الْبُهْمُ في الآلَام أَيْضًا وَنِعْمَةِ

وَحِكْمَتُهُ الْعُلْيَا اقْتَضتْ مَا اقْتَضَتْ مِنَ ... فِرُوقِ بِعِلْم ثُمَّ أَيْدٍ وَرَحْمَةِ

يَسُوقُ أُولِي التَّعْذِيبِ بِالسَّبَبِ الَّذِي ... يُقَدِّرُهُ نَحْوَ الْعَذَابِ بِعِزَّةِ

وَيَهْدِي أُولِي التَّنْعِيم نَحْوَ نَعِيمِهِمْ ... بِأَعمالِ صِدْقٍ في رَجَاءٍ وَخَشْيَةِ

وَأَمْرُ إِلَهِ الْخَلْقِ بَيَّنَ مَا بِهِ ... يَسُوقُ أُولِي التَّنْعِيمِ نَحْوَ السَّعَادَةِ

فَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ أَثَّرَتْ ... أَوَامِرُهُ فِيهِ بِتَيْسِيرِ صَنْعَةِ

وَمَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ لَمْ يَنَلْ ... بِأَمْرٍ وَلَا نَهْي بِتَقْدِيرِ شِقْوَةِ

وَلاَ مَخْرَجٌ لِلْعَبْدِ عَمَّا بِهِ قَضَى ... وَلَكِنَّهُ مُخْتارُ حُسْنٍ وَسَوْأَةِ

فَلَيْسَ بِمَجْبُورٍ عَدِيمِ الإِرَادَةِ ... وَلَكِنَّهُ شَاءٍ بخَلْقِ الإِرَادَةِ

وَمِنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ خَلْقُ مَشِيئَةٍ ... بَهَا صَارَ مُخْتَارَ الْهُدَى بِالضَّلَالَةِ

فَقَوْلُكَ هَلْ أَخْتَارُ تَرْكًا لحِكْمَةٍ ... كَقَوْلكَ هَلْ أَخْتَارُ تَرْكَ الْمَشِيئَةِ

وَأَخْتَارُ أَنْ لا اخْتَارَ فِعْلَ ضَلاَلَةٍ ... وَلَوْ نِلْتُ هَذَا التَّرْكَ فُزْتُ بتَوْبَةِ

وَذَا مُمكنٌ لَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ ... عَلَى مَا يَشَاءُ اللَّهُ مِنْ ذِي الْمَشَيئَةِ

فَدُونَكَ فَافْهَمْ مَا بِهِ قَدْ أَجَبْتُ مِنْ ... مَعَانٍ إِذَا انْحَلَّتْ بِفَهْمِ غَرِيزَةِ

أَشَارَتْ إِلَى أَصْلٍ يُشِيرُ إِلَى الْهُدَى ... وَللَّه رَبِّ الْخَلْقِ أَكْمَلُ مِدْحَةِ

وَصَلَّى إِلَهُ الخلْقِ جَلَّ جَلَالُهُ ... عَلَى الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ

انتهت قصيدة شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في الردّ على سؤال في قصيدة وجهها بعض الذميين معترضًا على القدر، فأجابه رحمه الله بهذه القصيدة الجامعة الفاذّة، فأجاد وأفاد، جزاه الله عن دفاعه عن الإسلام خير الجزاء (?)، والله تعالى أعلم بالصواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015