اللغة-: الخروج، وفي الشرع: الخروج عن طاعة الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في عرف الشرع أشدّ من العصيان، قال الله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} الآية [الحجرات: 7].

ففي الحديث تعظيم حق المسلم، والحكم على من سبه بغير حق بالفسق، ومقتضاه الرد على المرجئة، وعُرف من هذا مطابق جواب أبي وائل للسؤال عنهم، كأنه قال: كيف تكون مقالتهم حقّا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا انتهى.

(وَقِتَالُهُ كفْرٌ) أي من أعمال أهل الكفر، فإنهم الذين يقصدون قتال المسلم، وأما تأويله بحمله على القتال مستحلا، فيؤدّي إلى عدم صحة المقابلة؛ لكون السباب مستحلا كفرًا أيضًا.

[فإن قيل]: هذا وإن تضمن الرد على المرجئة، لكن ظاهره يُقَوِّي مذهب الخوارج الذين يُكَفّرون بالمعاصي.

[فالجواب]: أن المبالغة في الرد على المبتدع اقتضت ذلك، ولا متمسك للخوارج فيه؛ لأن ظاهره غير مراد، لكن لما كان القتال أشدّ من السباب؛ لأنه مُفْضٍ إلى إزهاق الروح عَبّر عنه بلفظٍ أشدّ من لفظ الفسق، وهو الكفر، ولم يُرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة، بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير، معتمدًا على ما تقرر من القواعد أن مثل ذلك لا يُخرِج عن الملة، مثل حديث الشفاعة، ومثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية [النساء: 48]، أو أطلق عليه الكفر لشبهه به؛ لأن قتال المؤمن من شأن الكافر، وقيل: المراد هنا الكفر اللغوي، وهو التغطية؛ لأن حق المسلم على المسلم أن يُعِينه وينصره ويكف عنه أذاه، فلما قاتله كان كأنه غَطَّى على هذا الحق، وقيل: أراد بقوله: "كفر": أي قد يؤول هذا الفعل بشؤمه إلى الكفر، وهذا بعيد، وأبعد منه حمله على المستحل لذلك؛ لأنه لا يحصل التفريق بين السباب والقتال، فإن مستحل لعن المسلم بغير تأويل يُكَفِّر أيضًا.

ومثل هذا الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015