جبريل عليه السلام والإيمان المذكور ثانيًا هو الإيمان العمليّ المذكور في قوله: "الإيمان بضع وسبعون بابًا"، ولو كان الثاني هو الأول للزم منه أن لا يدخل الجنّة من أبغض أحدًا من المؤمنين، وذلك باطل قطعًا، فتعيّن التأويل الذي ذكرناه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (?).

(أَوَ لَا) بفتح الهمزة والواو، هي "ألا" التي للعرض والتحضيض، والواو للعطف، وأصلها التقديم على الهمزة، إلا أنها أخّرت للزوم تصديرها (أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ، إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنكُمْ) بقطع الهمزة المفتوحة، ومعنى إفشاء السلام: إظهاره، وإشاعته، وإقراؤه على المعروف وغير المعروف. وقال السنديّ: والمراد نشر السلام بين الناس؛ ليُحيُوا سنته -صلى الله عليه وسلم-، قال النوويّ: أقلّه أن يرفع صوته بحيث يسمع السلَّم عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيًا بالسنّة، ذكره السيوطيّ في "حاشية أبي داود" في شرح هذا اللفظ، قال السنديّ: ظاهره أنه حمل الإفشاء على رفع الصوت به، والأقرب حمله على الإكثار. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأولى حمله على المعنيين؛ إذ لا تنافي بينهما، فيكون المراد بالإفشاء رفع الصوت بالسلام، وإكثاره بين الناس. والله تعالى أعلم.

وقال الطيبيّ رحمه الله: اعلم أنه تعالى جعل السلام سببًا للمحبّة، والمحبّة سببًا لكمال الإيمان؛ لأن إفشاء السلام سبب للتحابّ والتوادّ، وهو سبب الأُلفة والجمعيّة بين المسلمين المسبب لكمال الدين، وإعلاء كلمة الإسلام، وفي التهاجر والتقاطع والشحناء التفرقة بين المسلمين، وهو سبب لانثلام الدين، والوهنِ في الإسلام، وجَعْل كلمة الذين كفروا الْعُلْيَا، قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} الآية [آل عمران: 103]. انتهى (?)، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015