لأجل الإعظام والإجلال، ومراعاة حقّ أخيه المسلم، فهذه المحبّة لا تتغيّر؛ لأنها لله تعالى، لا لأجل غرض دنيويّ. ويقال: المحبّة هاهنا هي مجرّد تمنّي الخير لأخيه المسلم، فلا يعسر ذلك إلا على القلب السقيم، غير المستقيم.
وقال القاضي عياض: المراد من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" أن يحب لأخيه من الطاعات والمباحات، وظاهره يقتضي التسوية، وحقيقته التفضيل؛ لأن كلّ واحد يحبّ أن يكون أفضل الناس، فإذا أحبّ لأخيه مثله، فقد دخل هو من جملة المفضولين، وكذلك الإنسان يحب أن ينتصف من حقّه، ومظلمته، فإذا كانت لأخيه عنده مظلمة، أو حقّ بادر إلى الإنصاف من نفسه، وقد روي هذا المعنى عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال لسفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: إن كنت تريد أن يكون الناس كلهم مثلك، فما أدّيت لله الكريم نصحه، فكيف، وأنت تودّ أنهم دونك. انتهى.
وتعقّب الحافظ على القاضي عياض قوله: لأن كل واحد يحب أن يكون أفضل الناس، فقال: وفيه نظر، إذ المراد الزجر عن هذه الإرادة؛ لأن المقصود الحث على التواضع، فلا يحب أن يكون أفضلِ من غيره، فهو مستلزم للمساواة، ويستفاد ذلك من قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]، ولا يتم ذلك إلا بترك الحسد، والغل، والحقد، والغش، وكلها خصال مذمومة. انتهى "فتح" 1/ 83.
[فائدة]: قال الكرماني: ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه، من الشر، ولم يذكره لأن حب الشيء، مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه؛ اكتفاء. والله أعلم. قاله في "الفتح" 1/ 83. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أنس رضي الله تعالى عنه هذا متّفقٌ عليه.