من مات من الصحابة -رضي الله عنهم- بالبصرة، مات سنة (2) (39)، وهو من المعمّرين، فقد جاوز عمره مائة سنة، والله تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ) وقع في رواية النسائيّ تصريع قتادة بسماعه من أنس -رضي الله عنه-، ولفظه: "عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ) وفي رواية لمسلم: "أحدٌ"، والمراد بالنفي كمال الإيمان، ونفي اسم الشيء على معنى نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم، كقولهم: فلان ليس بإنسان.

[فإن قيل]: فيلزم أن يكون من حصلت له هذه الخصلة مؤمنا كاملًا، وإن لم يأت ببقية الأركان.

[أجيب]: بأن هذا ورد مورد المبالغة، أو يستفاد من قوله: "لأخيه المسلم"، ملاحظة بقية صفات المسلم، وقد صرح ابن حبان من رواية ابن أبي عدي، عن حسين المعلم بالمراد، ولفظه: "لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان"، ومعنى الحقيقة هنا الكمال؛ ضرورةَ أن من لم يتصف بهذه الصفة، لا يكون كافرا. قاله في "الفتح" (?).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: "لا يؤمن": أي لا يكمل إيمانه؛ إذ من غشّ المسلم، ولا ينصحه مرتكب كبيرة، ولا يكون كافرًا بذلك، كما بيّنّاه غير مرّة، وعلى هذا فمعنى الحديث: أن الموصوف بالإيمان الكامل من كان في معاملته للناس ناصحًا لهم، مريدًا لهم ما يريده لنفسه، وكارهًا لهم ما يكره لنفسه، وتتضمّن أن يفضّلهم على نفسه؛ لأن كلّ أحد يحبّ أن يكون أفضل من غيره، فإذا أحبّ لغيره ما يُحبّ لنفسه، فقد أحبّ أن يكون غيره أفضل منه، وإلى هذا المعنى أشار الفضيل بن عياض لمّا قال لسفيان بن عيينة: إن كنت تريد أن يكون الناس مثلك، فما أدّيت لله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015