[قلت]: فيه وجهان:
[أحدهما]: أن يكون {عِلْمُ السَّاعَةِ} فاعلًا للظرف؛ لاعتماده على اسم "إنّ"، ويُعطف {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} وما بعده من الجمل على الظرف، وفاعلِهِ على تأويل الجملتين المنفيتين بإثبات ما نُفي فيهما عن الغير لله سبحانه وتعالى: أي يعلم ماذا تكسب كل نفس غدًا، ويعلم أن كل نفس بأيّ أرض تموت.
قال أبو البقاء: هذا العطف يدلّ على قوّة شبه الظرف بالفعل. وقال صاحب "الكشّاف": جاء بالظرف، وما ارتفع به، ثم قال: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}، فعطف الجملة على الجملة، ومثله قوله تعالى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا في بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ}، فصدّر بالفعل والفاعل، ثم عطف بالظرف، وما ارتفع به.
وإذا تقرّر هذا فنقول: إذا كان الفعل عظيم الخطر، وما بُني عليه الفعل عليَّ القدر، رفيع الشأن، فُهم منه الحصر على سبيل الكناية.
[فإن قلت]: إذا عُطف {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} على الجملة، كيف دلّ على العلم؟.
[أجيب]: بأنه إذا نُفي إنزال الغيث عما كانوا يُنسبون إليه من طلوع الأنواء اختصّ بالله تعالى، فيلزم منه اختصاص علم الله تعالى.
[وثانيهما]: أن يذهب إلى أن الظرف خبر مقدّم على المبتدإ لإفادة الحصر، ويُعطف {يُنَزِّلُ} على المضاف إليه، يعني عنده علم الساعة، وعلم تنزيل الغيث على تقدير أن ينزل، فحذف "أن"، فارتفع الفعل، نحو قوله: "أَحْضُرَ الْوَغَى"، ويُعطف {وَيَعْلَمُ مَا في الْأَرْحَامِ}، وما بعده على المضاف، أي إن الله عنده علم ما في الأرحام، وعلم ماذا تكسب كلّ نفس غدًا على التقدير المذكور.
[فإن قلت]: فأيّ نكتة دعت إلى العدول عن المثبت إلى المنفي في قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ} الآية [لقمان: 34]، وما فائدة تكرير نفس، وتنكيرها، وإيثار الدراية على العلم، فإنها إدراك الشيء بالحيلة.
[أجيب]: إذا نُفيت الدراية لما فيها من معنى الحيلة في اكتساب العلم من كلّ