شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ) أي ظاهرًا غير محُتجِبٍ عنهم، ولا ملتبس بغيره، والبروزُ: الظهورُ، وقد وقع في رواية أبي فروة عند النسائيّ بلفظ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس بين أصحابه، فيجيء الغريب، فلا يَدرِي أيّهم هو، فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه، قال: فبنينا له دُكّانًا من طينٍ كان يجلس عليه". انتهى.

واستنبط منه القرطبي استحبابَ جلوس العالم بمكان يختص به، ويكون مرتفعًا إذا احتاج لذلك؛ لضرورة تعليم ونحوه.

(فَأَتَاهُ رَجُلٌ) أي ملك في صورة رجل، وللبخاريّ في "التفسير": "إذ أتاه رجل يمشي"، وللنسائيّ من رواية أبي فروة: "فإنا لجلوسٌ عنده، إذ أقبل رجل أحسنُ الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا، كأن ثيابه لم يَمَسَّها دَنَسٌ".

(فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه) أي بعد السلام، لما في رواية أبي فَرْوة عند النسائيّ: "حتى سَلّمَ من طَرَف البساط، فقال: السلام عليك يا محمد، فَرَدّ عليه السلام، قال: أَدنو يا محمد؟ قال: ادْنُ، فما زال يقول: أَدنو مرارًا؟ ويقول له: ادن". وقد تقدّم تحقيق ذلك في الحديث الماضي.

(مَا الْإِيمَانُ؟) قيل: قَدَّمَ السؤال عن الإيمان؛ لأنه الأصل، وثَنَّى بالإسلام؛ لأنه يُظهِر مِصْدَاق الدعوى، وثَلَّثَ بالإحسان، لأنه مُتَعَلِّق بهما. وفي رواية عُمارة بن القعقاع بدأ بالإسلام؛ لأنه بالأمر الظاهر، وثَنَّى بالإيمان؛ لأنه بالأمر الباطن، ورجح هذا الطيبي؛ لما فيه من الترقِّي، ولا شك أن القصة واحدة، اختَلَفَ الرواةُ في تأديتها، وليس في السياق ترتيب، ويدل عليه رواية مطر الوراق عند أبي عوانة في "صحيحه"، فإنه بدأ بالإسلام، وثَنَّى بالإحسان، وثَلَّث بالإيمان، فالحق أن الواقع أمر واحد، والتقديم والتأخير وقع من الرواة. قاله الحافظ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015