الإخلاص فيها، والخشوع وفراغ البال حالَ التلبس بها، ومراقبة المعبود.
وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: الإحسان هو مصدر أحسن يُحسن إحسانًا، ويقال على معنيين:
[أحدهما]: متعدّ بنفسه، كقولك: أحسنت كذا، وفي كذا: إذا حسّنته، وكمّلته، وهو منقول بالهمزة من حسُن الشيءُ.
[وثانيهما]: متعدّ بحرف جرّ، كقولك: أحسنت إلى كذا: أي أوصلت إليه ما ينتفع به، وهو في هذا الحديث بالمعنى الأول، لا بالمعنى الثاني، إذ حاصله راجع إلى إتقان العبادات، ومراعاة حقوق الله تعالى فيها، ومراقبته، واستحضار عظمته، وجلاله حالةَ الشروع، وحالة الاستمرار فيها.
وأرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين:
[أحدهما]: غالب عليه مشاهدة الحقّ، فكأنه يراه، ولعلّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أشار إلى هذه الحالة بقوله: "وجُعلت قُرّة عيني في الصلاة" (?)، رواه أحمد، والنسائيّ.
[وثانيهما]: لا ينتمي إلى هذه الحالة، لكن يغلب عليه أن الحقّ سبحانه وتعالى مطّلع عليه، ومشاهد له، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 218 - 219] وبقوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ في شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61]، وهاتان الحالتان ثمرة معرفة الله تعالى، وخشيته، ولذلك فسّر الإحسان في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بقوله: "أن تخشى الله كأنك تراه"، فعبّر عن المسبب باسم السبب توسّعًا، والألف واللام اللذان في "الإحسان" المسؤول عنه للعهد، وهو الذي