خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن، والكافر، والبرّ، والفاجر، والمصلّي، والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم، وقدرَتهم، وإرادَتَهم، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28 - 29].
وهذه الدرجة من القدَر يُكذّب بها عامّة القدريّة الذين سمّاهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مجوس هذه الأمة، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته، واختياره، ويُخرجون عن أفعال الله، وأحكامه حكمها، ومصالحها. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وهو تحقيق نفيسٌ جدّا. والله تعالى أعلم.
وقوله: (خَير وَشَرِّهِ) بالجرّ بدلًا عن قوله: "القدر". ووقع في رواية غير المصنّف بلفظ: "كلّه خيره وشرّه"، قيل: وإنما أكّده بـ "كله" لكثرة مَن ينكر القدر من الكفّار، ولهذا كثر تكراره في القرآن، وللتنويه بذكره، ليحصل الاهتمام بشأنه، ثم قرّر ذلك بما أبدل منه، بقوله "خَير وَشَرِّهِ"، وزاد في رواية: "حُلْوِه، ومُرِّه"، وزاد في أخرى: "من الله".
[تنبيه]: ظاهر السياق يقتضى أن الإيمان، لا يُطلق إلا على من صَدَّق بجميع ما ذُكر، وقد اكتفى الفقهاء بإطلاق الإيمان على من آمن بالله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا اختلاف أن الإيمان برسول الله -صلى الله عليه وسلم- المراد به الإيمان بوجوده، وبما جاء به عن ربه، فيدخل جميع ما ذكر تحت ذلك (?).
(قَالَ) الرجل (صَدَقْتَ) قال الصحابة الحاضرون (فَعَجِبْنَا مِنْهُ) أي من حال هذا السائل (يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ) تقدّم معناه قريبًا (ثُمَّ قَالَ) الرجل (يَا مُحَمَّدُ مَا الْإِحْسَانُ؟) قال في "الفتح": هو مصدر أحسن يُحسن إحسانا، ويتعدى بنفسه وبغيره، تقول: أحسنت كذا: إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان: إذا أوصلت إليه النفع، والأول هو المراد؛ لأن المقصود إتقان العبادة، وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا محسن بإخلاصه إلى نفسه، وإحسانُ العبادة: