يكون بحيث لم يبلغه الخطاب، وكذا (?) لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يُحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يعلم أنه أُنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

ومقالات الجهميّة هي من هذا النوع، فإنها جحد لا هو الربّ تعالى عليه، ولما أنزل الله على رسوله، وتُغلّظ مقالاتهم من ثلاثة أوجه:

[أحدها]: أن النصوص المخالفة لقولهم في الكتاب والسنّة والإجماع كثيرة جدّا مشهورة، وإنما يردّونها بالتحريف.

[الثاني]: أن حقيقة قولهم تعطيل الصانع، وإن كان منهم من لا يَعلَم أن قولهم مستلزم تعطيل الصانع، فكما أن أصل الإيمان الإقرار بالله، فأصل الكفر الإنكار لله.

[الثالث]: أنهم يخالفون ما اتّفقت عليه الملل كلّها، وأهل الفطر السليمة كلها لكن مع هذا قد يخفى كثير من مقالاتهم على كثير من أهل الإيمان حتى يظنّ أن الحقّ معهم؛ لما يوردونه من الشبهات، ويكون أولئك المؤمنون مؤمنين بالله ورسوله باطنا وظاهرًا، وإنما التبس عليهم، واشتبه هذا كما التبس على غيرهم من أصناف المبتدعة، فهؤلاء ليسوا كفّارًا قطعًا، بل قد يكون منهم الفاسق والعاصي، وقد يكون منهم المخطىء المغفور له، وقد يكون معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه به من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه.

وأصل قول أهل السنّة الذي فارقوا به الخوارج والجهميّة والمعتزلة والمرجئة أن الإيمان يتفاضل ويتبعّض، كما قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان"، وحينئذ فتتفاضل ولاية الله، وتتبعّض بحسب ذلك.

وإذا عُرف أصل البدع، فأصل قول الخوارج أنهم يكفّرون بالذنب، ويعتقدون ذنبًا ما ليس بذنب، ويرون اتّباع الكتاب دون السنّة التي تخالف ظاهر الكتاب، وإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015