الفرقة من هؤلاء قريبًا من مبلغ الفرقة الناجية فضلًا عن أن تكون بقدرها، بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلّة، وشعار هذه الفِرَق مفارقة الكتاب والسنّة والإجماع، فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة.
وأما تعيين هذه الفرق، فقد صنّف الناس فيهم مصنّفات، وذكروهم في كتب المقالات، لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة (?) هي إحدى الثنتين والسبعين لا بدّ له من دليل، فإن الله حرّم القول بلا علم عمومًا، وحرّم القول عليه بلا علم خصوصًا، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا في الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:168 - 169]، وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وأيضًا فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظنّ" والهوى، فيجعل طائفته، والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنّة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع، وهذا ضلال مبين، فإن أهل الحقّ والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمن جعل شخصًا من الأشخاص غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة -كما يوجد ذلك في الطوائف من أتباع أئمة في (?) الكلام في الدين، وغير ذلك- كان من أهل البدع