المسألة، بُليتم بها بعدُ.
وقد انقسم الناس في هذا الباب قسمين: فمن أتباع أهل الحديث من سَدّ باب المسائل حتى قل فهمه، وعلمه لحدود ما أنزل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وصار حامل فقه، غير فقيه. ومن فقهاء أهل الرأي من توسع في توليد المسائل، قبل وقوعها ما يقع في العادة منها وما لا يقع، واشتغلوا بتكلف الجواب عن ذلك، وكثرة الخصومات فيه، والجدال عليه، حتى يتولد من ذلك افتراق القلوب، ويستقر فيها بسببه الأهواء والشحناء، والعداوة والبغضاء، ويقتون ذلك كثيرا بنية المغالبة، وطلب العلو والمباهاة، وصرف وجوه الناس، وهذا مما ذمه العلماء الربانيون، ودلت السنة على قبحه وتحريمه، وأما فقهاء أهل الحديث العاملون به، فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله، وما يفسره من السنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعرفة صحيحها وسقيمها، ثم التفقه فيها وفهمها، والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، في أنواع العلوم، من التفسير والحديث، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السنة والزهد والرقائق وغير ذلك، وهذا هو طريق الإمام أحمد، ومن وافقه من علماء الحديث الربانيين، وفي معرفة هذا شغل شاغل عن التشاغل بما أحدث من الرأي مما لا ينتفع به ولا يقع، وإنما يورث التجادل فيه كثرة الخصومات والجدال، وكثرة القيل والقال، وكان الإمام أحمد كثيرا إذا سئل عن شيء من المسائل المحدثة المتولدات التي لا تقع، يقول: دعونا من هذه المسائل المحدثة، وما أحسن ما قاله يونس بن سليمان السقطي: نظرت في الأمر فإذا هو الحديث والرأى، فوجدت في الحديث ذكر الرب عز وجل وربوبيته، وإجلاله وعظمته، وذكر العرش، وصفة الجنة والنار، وذكر النبيين والمرسلين، والحلال والحرام، والحث على صلة الأرحام، وجماع الخير فيه، ونظرت في الرأي فإذا فيه المكر والغدر والحيل، وقطيعة الأرحام، وجماع الشر فيه. وقال أحمد بن شبويه: من أراد علم القبر فعليه بالآثار، ومن