أُحكمت عبارتها، بأن حُفظت من الاحتمالات والاشتباه، وكانت أمّ الكتاب، أي أصله، فتُحمل المتشابهات عليها، أو تردّ إليها، ولا يتمّ ذلك إلا للماهر الحاذق في علم التفسير والتأويل الحاوي لمقدّمات يفتقر إليها من الأصولين، وأقسام العربيّة.
وقوله: "أو سنّة قائمة" معنى قيام السنّة ثباتها، ودوامها بالحافظة عليها، من قامت السوق إذا نفقت؛ لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجّه إليه الرغبات، ويتنافس فيه المخلصون، وإذا عُطّلت، وأُضيعت كانت كالشيء الكاسد الذي لا يُرغب فيه، ودوامها إما أن يكون بحفظ أسانيدها من معرفة أسماء الرجال، والجرح والتعديل، ومعرفة الأقسام من الصحيح والحسن والضعيف المتشعّب منه أنواع كثيرة، وما يتّصل بها من المتمّمات، وإما أن يكون بحفظ متونها من التغيير والتبديل بالإتقان والتيقّظ، وبتفهّم معانيها، واستنباط العلوم الجمّة منها؛ لأن جلّها، بل كلّها من جوامع الكلم التي أوتي، وخصّ بها هذا النبيّ الأميّ المكتوب في التوراة والإنجيل، لا سيّما هذه الكلمة الفاذّة الجامعة مع قصر متنها، وقرب طرقها علوم الأولين والآخرين -صلى الله عليه وسلم- (?).
وقوله: "أو فريضة عادلة" إذا فُسّر بما أسلفناه في قوله: "طلب العلم فريضة" على ما تكلّم فيه العلماء من الفرائض المتكاثرة، كانت شاملة لجميع أنواعها، وإذا ذهب إلى أن "العادلة" هي المستقيمة المستنبطة من الكتاب، والسنّة، والإجماع، والقياس، رجع المعنى إليه، وسُمّيت عادلةً لأنها معادلة، أي مساوية لما أخذ منها، ونقف من هذا على أن المراد بقوله: "وما سوى ذلك فهو فضل" أن الفضل واحد الفضول الذي لا مدخل له في أصل علوم الدين، وما يُستعاذ منه حينًا بقوله: "أعوذ بالله من علم لا ينفع"، قال صاحب "المغرب": الفضل الزيادة، وقد غلب، جمعه على ما لا خير فيه، حتى قيل: فضول بلا فضل، وطول بلا طول، ثم قيل: لمن يشتغل بما لا يعنيه فضولي،