ما يُفسّر لك الحديث، وهذا هو الفهم الذي يختصّ الله سبحانه وتعالى به من يشاء من عباده.

ومثال هذا رأي الصحابة -رضي الله عنهم- في العول في الفرائض عند تزاحم الفروض، ورأيهم في مسألة زوج وأبوين، وامرأة وأبوين أن للأم ثلث ما بقي بعد فرض الزوجين، ورأيهم في توريث المبتوتة في مرض الموت، ورأيهم في مسألة جرّ الولاء، ورأيهم في المحرم يقع على أهله بفساد حجه، ووجوب المضيّ فيه، والقضاء، والهدي من قابل، ورأيهم في الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أفطرتا، وقضتا، وأطعمتا لكلّ يوم مسكينًا، ورأيهم في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر تصلّي المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل الغروب صلّت الظهر والعصر، ورأيهم في الكلالة، وغير ذلك.

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أنا عاصم الأحول، عن الشعبيّ قال: سئل أبو بكر عن الكلالة، فقال: إني سأقول فيها برأي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان، أراه ما خلا الوالد والولد (?).

(النوع الثالث من الرأي المحمود): هو الرأي الذي تواطأت عليه الأمّة، وتلقّاه خلفهم عن سلفهم، فإن ما تواطؤوا عليه من الرأي لا يكون إلا صوابًا، كما تواطؤوا عليه من الرواية والرؤيا، وقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وقد تعدّدت منهم رؤيا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، متّفقٌ عليه، فاعتبر -صلى الله عليه وسلم- تواطؤ رؤيا المؤمنين، فالأمة معصومة فيما تواطأت عليه من روايتها ورؤياها، ولهذا كان من سَدَاد الرأي وإصابته أن يكون شورى بين أهله، ولا ينفرد به واحد، وقد مدح الله سبحانه وتعالى المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم، وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليس عنده فيها نصّ عن الله سبحانه وتعالى، ولا عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- جمع لها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم جعلها شُورى بينهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015