عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، قال: فكنا قد كرهنا كثيرا من مسألته، واتقينا ذلك حين أنزل الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم-، قال: فأتينا أعرابيا فرشوناه بُرْدًا، ثم قلنا له: سل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذكر حديثا. وفي "مسند أبي يعلى" عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال: إن كان لتأتي عليّ السنة أريد أن أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء فأتهيب منه وإن كنا لنتمنى الأعراب وفي مسند البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة، كلها في القرآن {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220]، وذكر الحديث. وقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أحيانا يسألونه عن حكم حوادث، قبل وقوعها، لكن للعمل بها عند وقوعها، كما قالوا له: إنا لاقوا العدو غدا، وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب، وسألوه عن الأمراء الذين أخبر عنهم بعده، وعن طاعتهم وقتالهم، وسأله حذيفة عن الفتن، وما يصنع فيها.
فهذا الحديث، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" يدل على كراهة المسائل وذمها، ولكن بعض الناس يزعم أن ذلك كان مختصا بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما يُخشى حينئذ من تحريم ما لم يحرم، أو إيجاب ما يشق القيام به، وهذا قد أمن بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-.
ولكن ليس هذا وحده هو سبب كراهة المسائل، بل له سبب آخر، وهو الذي أشار إليه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في كلامه الذي ذكرنا بقوله: "ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن، فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه".
ومعنى هذل أن جميع ما يحتاج إليه المسلمون في دينهم، لا بد أن يبينه الله في كتابه العزيز، ويبلغ ذلك رسوله -صلى الله عليه وسلم- عنه، فلا حاجة بعد هذا لأحد في السؤال، فإن الله تعالى أعلم بمصالح عباده منهم، فما كان فيه هدايتهم ونفعهم، فإن الله تعالى لا بد أن يبينه لهم ابتداء من غير سؤال، كما قال تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} الآية