ولكنهم خَصّوهُ بما يراه القلب بعد فكر وتأمّل وطلب، لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الأمارات، فلا يقال لمن رأى بقلبه أمرًا غائبًا عنه مما يحسُّ به: إنه رأيه، ولا يقال أيضًا للأمر المعقول الذي لا تختلف فيه العقول، ولا تتعارض فيه الأمارات: إنه رأيٌ، وإن احتاج إلى فكر وتأمّل كدقائق الحساب ونحوها. انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله تعالى. (?).
وأما "القياس" في اللغة فهو: التقدير، قال في "المصباح": قِستُه على الشيء، وبه أَقِيسه قَيْسًا، من باب باع، وأَقُوسُه قَوْسًا، من باب قال لغةٌ، وقايسته بالشيء مُقايسةً، وقِيَاسًا، من باب قاتل، وهو تقديره به، والْمِقياس: المقدار. انتهى (?).
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب رحمه الله تعالى: اعلم أن القياس فِعْلُ القائس، وهو حمل فرع على أصل في بعض أحكامه؛ لمعنًى يَجمَع بينهما. وقيل: هو الاجتهاد.
والأول أجمع لحدّه؛ لأن الاجتهاد، هو بذل المجهود في طلب العلم، فيخل فيه حمل المطلق على المقيّد، وترتيب الخاصّ على العامّ، وجميع الوجوه التي يُطلب منها الحكم، وليس شيء من ذلك بقياس.
والقياس مثاله مثال الميزان أن يوزن به الشيء من الفروع ليُعلَم ما يُوازنه من الأصول، فيُعلم أنه نظيره، أو لا يوازنه، فيُعلم أنه مخالفه، والاجتهاد أعمّ من القياس، والقياس داخل فيه. انتهى كلام الخطيب (?).
وعرّفوه في كتب الأصول بأنه حمل معلوم على معلوم لمساواته في علّة حكمه.
وإليه أشار في "الكوكب الساطع" حيث قال:
وَحَمْلُ مَعلُومِ عَلَى ذِي عِلْمِ ... سَاوَاهُ في عِلَّتِهِ في الحُكْمِ