قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الظاهر أن عطف القياس على الرأي من عطف المرادف، إذ المراد هنا هو الرأي، أو القياس الذي يعارِض النصوص، وهو الذي جاء ذمّه عن السلف، كما سيأتي بيانه قريبًا.
فأما "الرّأي" -بفتح، فسكون- في اللغة فهو: العقل والتدبير، يقال: رجلٌ ذو رَأْيٍ: أي بصيرة وحِذْق في الأمور. قاله في "المصباح" (?).
وقال أبو بكر الخطيب رحمه الله تعالى: وأما "الرأي" فهو استخراج صواب العاقبة، فمن وضع الرأي في حقّه، واستعمل النظر في موضعه سُدّد إلى الحقّ والصواب، وكمن قصد المسجد الجامع، فسلك طريقه، ولم يَعدِل عنه أدّاه إليه، وأورده عليه. انتهى (?).
وقال ابن الأثير عند تفسير قوله: "وفينا رجلٌ له رأيٌ": يقال: فلانٌ من أهل الرأي: أي أنه يَرى رأيَ الخوارج، ويقول بمذهبهم، وهو المراد هاهنا، والمحدّثون يُسَمُّون أصحاب القياس أصحاب الرأي، يعنون أنهم يأخذون برأيهم فيما يُشكل من الحديث، أو ما لم يأت فيه حديثٌ ولا أَثَر. انتهى (?).
وقال الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى: الرأي في الأصل مصدر رأى الشيءَ يراه رأيًا، ثم غَلَبَ استعماله على المرئيّ نفسِهِ، من باب استعمال المصدر في المفعول، كالهَوَى في الأصل مصدر هَوِيَه يَهْوَاهُ هَوًى، ثم استُعمل في الشيء الذي يَهْوَاه، فيقال: هذا هَوَى فلان، والعرب تُفَرّق بين مصادر فعل الرؤية بحسب محالّها، فتقول: رأى كذا في النوم رُؤيا، ورآه في اليقَظَة رُؤيةً، ورأى كذا -لما يُعلَمُ بالقلب، ولا يُرَى بالعين- رَأْيًا،