(الثالث): اختلفوا في جواز ذلك؛ بناءً على الخلاف في جواز تأويلها، وقد عُرِف أن مذهب السلف ترك التعرض لتأويلها، مع قطعهم باستحالة ظواهرها، فيقولون: أَمِرُّوها كما جاءت.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إن أراد أن السلف يقولون باستحالة ظواهر الصفات، وأنه لا يجوز إثباتها لله تعالى، فهذا غلطٌ عليهم؛ لأن مذهبهم إثباتها لله تعالى على ظواهرها كما يليق بجلاله، وإن أراد أنهم يقولون باستحالة ثبوتها على الكيفية التي ثبتت بها للمخلوق، فهذا مسلمٌ، ولكن ظاهر عبارته فيها إيهام، فليُتنبّه. والله تعالى أعلم.
قال: وذهب بعضهم إلى إبداء تأويلاتها، وحملها على ما يصح حمله في اللسان عليها من غير قطع بتعيين مجمل منها.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذهب هو الذهب الذي سلكه الخلف، وخالفوا فيه السلف، وهو مذهب فاسد، وقد بينّا ذلك في غير هذا الموضع، فتبصّر.
والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال: (الرابع): الحكم فيه الأدبُ البليغ، كما فعله عمر بصَبِيغ. وقال أبو بكر الأنباريّ: وقد كان الأئمة من السلف، يُعاقبون من يَسأل عن تفسير الحروف المشكلات في القرآن؛ لأن السائل إن كان يَبْغِي بسؤاله تخليد البدعة، وإثارة الفتنة، فهو حقيق بالنكير، وأعظم التعزير، وإن لم يكن ذلك مقصده، فقد استحق العَتْبَ بما اجترم من الذنب؛ إذ أوجد للمنافقين الملحدين في ذلك الوقت سبيلًا إلى أن يَقصِدوا ضَعَفَة المسلمين بالتشكيك والتضليل، في تحريف القرآن عن مناهج التنزيل، وحقائق التأويل، فمن ذلك: ما حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، أنبأنا سليمان بن حماد بن زيد، عن يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار، أن صَبِيغ بن عِسْل (?) قَدِم المدينه، فجعل يسأل