المتشابه، هكذا ينبغي أن يقسّم؛ لأنه سبحانه وتعالى أوقع المحكم مقابلا للمتشابه في قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]، وهو ما لم يتّضح معناه، فالواجب أن يُفَسَّر المحكم بما يقابله مما يتّضح معناه.
ويعضِد ما ذكرنا أسلوبُ الآية، وهو الجمع بين التفريق والتقسيم، وذلك أنه تعالى لمّا فَرّق ما جَمَع في معنى الكتاب بأن قال: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] أراد أن يُضِيف إلى كُلٍّ منهما ما يناسبهما من الحكم، فقال أوّلًا: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7]، وثانيًا قال: {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] وكان يُمكن أن يقال: وأما الذين في قلوبهم استقامة فيتبعون المحكم، لكنه وضع موضع ذلك {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا}، وإنما وضع {يَقُولُونَ آمَنَّا} موضع "يتبعون المحكم" لإيثار لفظ الرسوخ في الابتداء؛ لأن الرسوخ في العلم لا يحصل إلا بعد التتبع التام، والاجتهاد البليغ، فإذا استقام القلب على طريق الرشاد، ورَسَخَ القدمُ في العلم، أفصح صاحبه النطق بالقول الحق؛ إرشادًا للخلق، وكفى بدعاء الراسخين في العلم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] شاهدًا على أن {وَالرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ} مقابِلٌ لقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}، وفيه إشارة إلى أنّ الوقف على قوله: {إِلَّا اللَّهُ}، والابتداءُ بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ} وقفٌ تامّ، وإلى أن علم بعض المتشابه مختص بالله تعالى، وأنّ من حاول معرفته، هو الذي أشار إليه في الحديث بقوله: "فاحذروهم". انتهى (?).
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: ذكر الإمام البخاري في "صحيحه" عن سعيد بن جبير قال رجل (?)