حال حرب، والجواب المستقيم أن نقول: المنعُ مطلقًا من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يتعاطى شيئًا من ذلك، وإن كان مباحًا لغيره، ولا يُعارض ذلك ما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد غَزوةً وَرَّى بغيرها، فإن المراد أنه كان يريد أمرًا فلا يُظهره، كأن يريد أن يغزو وجهة الشرق، فيسأل عن أمر في جهة الغرب، ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أنه يريد جهة الغرب، وأما أن يُصَرح بإرادته الغرب، وإنما مراده الشرق فلا. والله أعلم.
وقال ابن بطال رحمه الله: سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث، فقال: الكذب المباح في الحرب ما يكون من المعاريض، لا التصريح بالتأمين مثلًا. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الصوابُ أن الكذب في هذه المواضع التي استثناها الشارع لا يدخل في الوعيد المذكور لمن تعمّد الكذب؛ لأن الشارع استثناها، فلا تدخل في مسمّى الكذب الشرعيّ، وإن كانت تسمّى كذبًا من حيث اللغة، فليُفهم الفرقُ بينهما. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): أخرج الشيخان من حديث أبي أيوب الأنصاريّ -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لرجل أن يَهجُر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيُعرض هذا، ويُعرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". زاد الطبري من طريق أخرى: "يسبِق إلى الجنة"، ولأبي داود بسند صحيح، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "فإن مَرَّت به ثلاث، فلقيه فليسلم عليه، فإن رَدّ عليه فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وخَرَجَ المُسَلِّمُ من الْهِجْرَة". ولأحمد والبخاريّ في "الأدب المفرد"، وصححه ابن حبان من حديث هشام بن عامر: "فإنهما ناكثان عن الحقّ، ما داما على صِرَامهما، وأَوَّلُهُما فيئًا يكون سَبْقُهُ كفارةَ"، فذكر نحو حديث أبي هريرة، وزاد في آخره: "فإن ماتا على صِرَامهما، لم يدخلا الجنة جميعًا".
قال أكثر أهل العلم: تَزُول الهجرة بمجرد السلام ورَدِّه. وقال أحمد: لا يبرأ من