تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فيما يُستثنى من الكذب:

قال الغزالي رحمه الله: الكذب من قبائح الذنوب، وليس حراما لعينه، بل لما فيه من الضرر، ولذلك يؤذن فيه حيث يتعين طريقًا إلى المصلحة.

وتُعُقّب بأنه يلزم أن يكون الكذب إذا لم ينشأ عنه ضرر مباحًا، وليس كذلك.

ويمكن الجواب بأنه يُمنَع من ذلك حسما للمادة، فلا يباح منه إلا ما يترتب عليه مصلحة، فقد أخرج البيهقي في "الشعب" بسند صحيح، عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: "الكذب يُجانب الإيمان". وأخرجه عنه مرفوعًا، وقال: الصحيح موقوف. وأخرج البزار من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- رفعه، قال: "يُطبَع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب". وسنده قويّ. وذكر الدارقطني في "العلل" أن الأشبه أنه موقوف، وشاهد المرفوع من مرسل صفوان بن سليم في "الموطإ". قال ابن التين: ظاهره يعارض حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- (?)، والجمع بينهما حمل حديث صفوان على المؤمن الكامل (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: من الأحاديث التي تدلّ على استثناء بعض أنواع الكذب ما أخرجه الشيخان، واللفظ لمسلم، من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها -وكانت من المهاجرات الأُوَل، اللاتي بايعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا، وينمي خيرًا".

قال ابن شهاب: ولم أسمع يُرَخَّص في شيء مما يقول الناس كذب، إلا في ثلاث: الحربِ، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.

وقد جاء من ذلك صريحًا، وهو ما أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015