والاقتصاد في أمره، واتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وترك ما أحدث المُحْدِثون بعدَ ما جرت به سنته، وكُفُوا مُؤْنته، فعليك بلزوم الجماعة، فإنها لك -بإذن الله- عِصْمَة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعةً إلا قد مضى قبلها ما هو دليلٌ عليها، أو عبرةٌ فيها، فإن السنة إنما سَنَّها من قد علم ما في خلافها من الخطإ والزَّلَلِ، والْحُمْق والتعمّق، فارضَ لنفسك ما رَضِي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وَقَفُوا، وببصر نافذ كَفُّوا، وإنهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أَوْلَى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه، فقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: إنما حَدَثَ بعدَهم، فما أحدثه إلا مَن اتّبع غير سبيلهم، ورَغِبَ بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، قد تكلموا فيه بما يَكفِي، ووَصَفُوا ما يَشفِي، فما دونهم من مَقْصَر، وما فوقهم من مَحْسَر، وقد قَصَّر قوم دونهم فجَفَوا، وطَمَحَ عنهم أقوام فَغَلَوْا، وإنهم مع ذلك لَعَلَى هُدًى مستقيم.
كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر، فعلى الخبير -بإذن الله- وقعتَ، ما أعلم ما أحدث الناس من مُحدَثة، ولا ابتدعوا من بدعة، هي أبين أثرًا، ولا أثبت أمرًا، من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهلية الْجُهَلاء، يتكلمون به في كلامهم، وفي شِعْرهم، يُعَزُّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يَزِده الإسلام بعدُ إلا شِدَّةً، ولقد ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلموا به في حياته، وبعد وفاته، يقينًا وتسليمًا لربهم، وتضعيفًا لأنفسهم أن يكون شيء لم يُحِط به علمه، ولم يُحصِه كتابه، ولم يَمضِ فيه قَدَرُه، وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه، منه اقتبسوه، ومنه تعلموه، ولئن قلتم: لِمَ أَنزل الله آية كذا؟ لم قال كذا؟ لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعَلِمُوا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك كله بكتاب وقدر، وكُتِبت الشقاوة، وما يُقدَّر يكن، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعًا، ثم رَغِبوا بعد ذلك ورهبوا" (?).