حكم يقتضيه معنى الأمر، كان للإيجاب، أو الندب، وحكم يقتضيه معنى النهي، كان للكراهة، أو التحريم، وحكم يقتضيه معنى التخيير، وهو الإباحة.
فأفعال العباد وأقوالهم لا تعدو هذه الأقسام الثلاثة: مطلوب فعله، ومطلوب تركه، ومأذون في فعله وتركه، والمطلوب تركه لم يُطلَب تركه إلا لكونه مخالفًا للقسمين الأخيرين، لكنه على ضربين:
(أحدهما): أن يُطلَب تركه، ويُنهى عنه؛ لكونه مخالفة خاصّة مع مجرّد النظر عن غير ذلك، وهو إن كان محرّمًا سمّي فعله معصية وإثمًا وسمي فاعله عاصيًا وآثمًا، وإلا لم يسمّ بذلك، ودخل في حكم العفو حسبما هو مبيّن في غير هذا الموضع، ولا يُسمّى بحسب الفعل جائزًا ولا مباحًا؛ لأن الجمع بين الجواز والنهي جمع بين متنافيين.
(والثاني): أن يطلب تركه، ويُنهى عنه لكونه مخالفةً لظاهر التشريع من جهة ضرب الحدود، وتعيين الكيفيّات، والتزم الهيئات المعينة، أو الأزمنة المعينة مع الدوام، ونحو ذلك، وهذا هو الابتداع والبدعة، ويُسمّى فاعله مبتدعًا.
فالبدعة إذن عبارة عن "طريقة في الدين مخترعة تُضاهي الشرعيّة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبّد لله سبحانه".
وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة، وإنما يخصّها بالعبادات، وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة، فيقول:
"البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية".
ولا بدّ من بيان ألفاظ هذا الحدّ:
فـ "الطريقة، والطريق"، والسبيل والسنن هي بمعنى واحد، وهو ما رسم للسلوك عليه، وإنما قُيّدت بـ "الدين"؛ لأنها فيه تُختَرع، وإليه يُضيفها صاحبها، وأيضًا فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسمّ بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدّم.