(مَنْ تركَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ) أي فهو ميراث لأهله (وَمَنْ تركَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا، فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ) أي فعليّ وفاء دينه، وإلَيّ كفالة عياله، فالأول راجع إلى الدين، والثاني راجع إلى الضياع.

قال النوويّ رحمه الله: هذا تفسير لقوله: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه"، قال أهل اللغة: "الضَّيَاع" -بفتح الضاد-: العيال، قال ابن قتيبة: أصله مصدر ضاع يَضيع ضَيَاعًا، والمراد من ترك أطفالا وعيالا ذوي ضَياع، فأوقع المصدر موضع الاسم. انتهى.

وقال القرطبيّ: الضَّيَاع: العيال، قاله النضر بن شُميل. وقال ابن قتيبة: هو مصدر ضَاعَ يَضيع ضَيَاعًا، ومثله مضى يمضي مضاءً، وقضى يقضي قضاءً: أراد من ترك عيالًا، أو أطفالًا، فجاء بالمصدر موضع الاسم، كما تقول: ترك فقرًا: أي فقراء. و"الضِّيَاع" بالكسر: جمع ضائع، مثل جائع وجياع، وضيعة الرجل أيضًا ما يكون منه معاشه، من صناعة، أو غلّة. قاله الأزهريّ. وقال شَمِر: ويدخل فيه التجارة، والحِرفة، يقال: ما ضيعتك؟ فتقول: كذا. انتهى (?).

قال النوويّ: قال أصحابنا: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يُصلي على من مات وعليه دين، لم يَخلُف به وفاء؛ لئلا يتساهل الناس في الاستدانة، ويُهمِلوا الوفاء، فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، فلما فتح الله على المسلمين مبادىء الفتوح قال -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك دينا فعليّ": أي قضاؤه، فكان يقضيه.

واختلف أصحابنا هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يَجِب عليه قضاء ذلك الدين، أم كان يقضيه تَكَرُّمًا، والأصح عندهم أنه كان واجبا عليه -صلى الله عليه وسلم-. واختلفوا هل هذه من الخصائص أم لا؟، فقال بعضهم: هو من خصائص رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: لا، بل يلزم الإمام أن يقضي من بيت المال دين من مات، وعليه دين إذا لم يَخلُف وفاءً، وكان في بيت المال سعة، ولم يكن هناك أهم منه. انتهى كلام النوويّ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015