لها في الشريعة أصل، يشهد لها بالصحّة والجواز، وهي المسمّاة بالبِدَع، ولذلك حُكم عليها بأن كلّ بدعة ضلالة، وحقيقة البدعة: ما ابتُدىء، وافتُتح من غير أصل شرعيّ، وهي التي قال فيها -صلى الله عليه وسلم-: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ". متّفقٌ عليه. قاله القرطبيّ (?).
(وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) هذه الجملة معطوفة على محذوف كما بُيِّن في رواية أخرى: تقديره: فكلُّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعند النسائيّ بإسناد صحيح من حديث جابر -رضي الله عنه- مرفوعًا: "إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار".
قال النوويّ رحمه الله تعالى: قوله: "وكل بدعة ضلالة" هذا عام مخصوص، والمراد غالب الْبِدَع، قال أهل اللغة: هي كلُّ شيء عُمِل على غير مثال سابق. قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومُحَرَّمة، ومكروهة، ومباحة، فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين للردّ على الملاحدة والمبتدعين، وشبه ذلك، ومن المندوبة تصنيف كتب العلم، وبناء المدارس والربط، وغير ذلك، ومن المباح التبسط في ألوان الأطعمة، وغير ذلك، والحرام والمكروه ظاهران.
فإذا عُرِف ما ذكرته عُلِم أن الحديث من العام المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في التراويح، نعمت البدعة، ولا يَمنَع من كون الحديث عاما مخصوصا قوله: "كل بدعة" مؤكدا بـ "كل" بل يدخله التخصيص مع ذلك، كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} (?).
قال الجامع عفا الله تعالى: قول النوويّ: "هذا عامّ مخصوص" فيه نظرٌ؛ إذ ليس كذلك، بل هو على عمومه، فإن كلّ بدعة شرعيّة ضلالة من دون استثناء شيء منها،