والمتوسطون منهم فيما رُوي عنهم من الفُتْيَا: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس ابن مالك، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو هريرة ... -رضي الله عنه- الخ، فلا شك في أن أبا هريرة -رضي الله عنه- كان فقيها من فقهاء الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن كبار أئمة الفتوى.

[فإن قيل]: قال إبراهيم النخعي أيضًا: إن أبا هريرة لم يكن فقيها، والنخعي من فقهاء التابعين.

[قلت]: قد نُقم على إبراهيم النخعي لقوله: إن أبا هريرة لم يكن فقيها، قال الحافظ الذهبيّ في "الميزان" في ترجمته: وكان لا يُحكم العربية، ربما لحن، ونقموا عليه قوله: لم يكن أبو هريرة فقيهًا. انتهى.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذيّ" في حديث المصرّاة المرويّ عن أبي هريرة، وابن عمر -رضي الله عنهم-: قال بعضهم: هذا الحديث لا يُقبل؛ لأنه يرويه أبو هريرة، وابن عمر، ولم يكونا فقيهين، وإنما كانا صالحين، فروايتهما إنما تقبل في المواعظ، لا في الأحكام. وهذه جرأة على الله، واستهزاء في الدين عند ذهاب حملته، وفقد نَصَرَته، ومن أفقه من أبي هريرة، وابن عمر -رضي الله عنهم-؟، ومن أحفظ منهما؟ خصوصًا من أبي هريرة، وقد بسط رداءه، وجمعه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وضمه إلى صدره، فما نسي شيئًا أبدًا، ونسأل الله المعافاة من مذهب لا يثبت إلا بالطعن علي الصحابة -رضي الله عنهم-، ولقد كنت في جامع المنصور من مدينة السلام في مجلس عليّ بن محمد الدامغانيّ، قاضي القضاة، فأخبرني به بعض أصحابنا، وقد جرى ذكر هذه المسألة أنه تكلم فيها بعضهم يومًا، وذكر هذا الطعن في أبي هريرة، فسقطت من السقف حية عظيمة في وسط المسجد، فأخذت في سمت المتكلم بالطعن، ونفر الناس، وارتفعوا، وأخذت الحية تحت السواري، فلم يُدر أين ذهبت، فارعوَى من بعد ذلك من الترسّل في هذا القدح. اهـ. انتهى "تحفة الأحوذي" 1/ 32 - 33.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015