لأنه قال في حديث آخر: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة"، وقد انتهت الثلاثون بخلافة علي -رضي الله عنه-، وليس معنى هذا القول نفي الخلافة عن غيرهم؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "يكون في أمتي اثنا عشر خليفةً"، وإنما المراد تفخيم أمرهم، وتصويب رأيهم، والشهادة لهم بالتفوّق فيما يمتازون به عن غيرهم من الإصابة في العلم، وحسن السيرة، واستقامة الأحوال، ولهذا وصفهم بـ "الراشدين"، وهم الذين أوتوا الرشَدَ في مقاصدهم الصحيحة، وهُدُوا إلى الأقوم والأصلح في أقوالهم وأفعالهم.
وإنما ذكر سنّتهم في مقابلة سنّته؛ لأمرين:
(أحدهما): أنه عَلِم أنهم لا يُخطئون فيما يستخرجونه من سنته باجتهادهم.
(والثاني): أنه -صلى الله عليه وسلم- عَلِم أن بعضًا من سننه لا يشتهر بزمانه، وإن عَلِمه الأفراد من أصحابه، ثم يشتهر في زمانهم، فيضاف إليهم، فربما يستدرع أحدٌ من ردّ تلك السنن بإضافتها إليهم، فأطلق القول باتباع سنتهم؛ سدّا للباب. انتهى.
وقيل: الحديث عامّ في كلّ خليفة راشد لا يخُصّ الخلفاء الراشدين الأربعة، ومعلومٌ من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفة راشد أن يَشرَع طريقة غير ما كان عليها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فليس المراد في الحديث بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته -صلى الله عليه وسلم- من جهاد الأعداء، وتقوية شعائر الدين، ونحوها. انتهى. (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: المراد بالموافقة في قوله: "الموافقة لطريقته -صلى الله عليه وسلم-" الموافقة إما نصّا، أو استنباطًا، فافهم. والله تعالى أعلم.
وقال الشوكانّي في "الفتح الرباني": إن أهل العلم قد أطالوا الكلام في هذا، وأخذوا في تأويله بوجوه، أكثرها مُتَعَسَّفة، والذي ينبغي التعويل عليه، والمصير إليه هو العمل بما يدل عليه هذا التركيب، بحسب ما تقتضيه لغة العرب، فالسنة هي الطريقة، فكأنه قال: الزموا طريقتي، وطريقة الخلفاء الراشدين، وقد كانت طريقتهم هي نفس