بالمراتب العليّة، والمناقب السنيّة، ووطّنوا أنفسهم على مشاقّ الأسفار، ومجاهدة النفس، والقتال مع الكفّار، أنعم الله تعالى عليهم بمنصب الخلافة العظمى، والتصدّي إلى الرئاسة الكبرى؛ لإشاعة أحكام الدين، وإعلاء أعلام الشرع المتين، رفعًا لدرجاتهم، وازديادًا لمثوباتهم.

فخلف الصدّيق -رضي الله عنه- بإجماع الصحابة -رضي الله عنهم- سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام؛ لعلمه، وحمله ووقاره، وسلامة نفسه، ولين جانبه، والناس متحيّرون، والأمر غير ثابت، فحَمَى بيضة الدين، ودفع غوائل المرتدّين، وجمع القرآن، وفتح بعض البلدان.

ثم استُخلف الفاروق -رضي الله عنه-، والأمر مستقرّ، والقوم مطيعون، والفِتَن ساكنة، فرفع رايات الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وفَتَح أكثر أقاليم الأرض؛ لأنه في غاية الصلابة، وكمال الشهامة، ومتانة الرأي، وحسن التدبير، وخلافته عشر سنين وستة أشهر وعشر ليال.

ثم بويع لعثمان -رضي الله عنه- لكونه أحقّ من وُجد في ذلك الوقت لدى أهل الحلّ والعقد، من المهاجرين والأنصار، فأظهر في مدّة اثنتي عشرة سنة مساعي جميلة في الإسلام، وجمع الناس على مصحف واحد بعد ما كانوا يقرءون بقراءات مختلفة على حسب السماع، وبَعَث بها إلى الآفاق، ولذا نُسب المصحف إليه، وجُعل إمامًا.

ثم بويع بعده لعليّ -رضي الله عنه-؛ لأنه أفضل الصحابة بعدهم، وسيّد بني هاشم بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلو لم تقع الخلافة على الترتيب المذكور لحُرم أحدهم من ذلك المنصب المشكور، ولا يخفى كون هذا من جملة معجزاته -صلى الله عليه وسلم- الدالّ على صدق نبوّته؛ لأنه استبدّ بذكر هذا الغيب، وقال: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا عضوضًا"، ووقع كما قال (?).

وقال التوربشتيّ في "شرح المصابيح": المعنيّون بهذا القول هم الخلفاء الأربعة؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015