قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أراد أنه مبنيّ للمفعول لفظًا، ولكن معناه معنى المبنيّ للفاعل؛ لأنه بمعنى يَظُنّ مبنيّا للفاعل. قال ابن منظور نقلًا عن "تهذيب الأزهريّ": قال الليث: يقال من الظنّ رِيتُ -بكسر الراء- فلانًا أخاك، ومن همز قال: رُؤِيتُ، فإذا قلت: أرى وأخواتها لم تهمز، قال: ومن قلب الهمز من رأى قال: راء، كقولك: نأى وناء. وقال ابن الأثير رُؤي فعل لم يُسمّ فاعله، من رأيتُ بمعنى ظننت، وهو يتعدّى إلى مفعولين، تقول: رأيت زيدًا عاقلًا، فإذا بنيته لما لم يُسمّ فاعله تعدّى إلى مفعول واحد، فقلت: رُؤي زيد عاقلًا. انتهى (?).
وهذا الذي ذكرنا من ضبط "يُرَى" بصيغة المبني للمفعول هو المشهور، وذكر بعض الأئمة جواز بفتح الياء من "يَرَى"، قال النووي رحمه الله تعالى: وهو ظاهر حسن، فأما من ضم الياء فمعناه: يَظُنُّ"، وأما من فتحها فظاهر، ومعناه: وهو يعلم، ويجوز أن يكون بمعنى يَظُنّ أيضا، فقد حُكِيَ رَأَى بمعنى ظَنّ.
وقَيّد بذلك؛ لأنه لا يأثم إلا بروايته ما يعلمه، أو يظنه كذبا، أما ما لا يعلمه، ولا يظنه، فلا إثم عليه في روايته، وإن ظنه غيره كذبا، أو عَلِمَهُ. انتهى (?).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى: قوله: "يرى" قيّدناه عن مشايخنا مبنيّا للفاعل والمفعول، فـ "يرى" بالفتح بمعنى يَعْلَم المتعدّيّة لمفعولين، و"أنّ" سَدَّت مسدّهما، وماضي "يرى" رأى مهموزًا، وإنما تركت العرب همز المضارع لكثرة الاستعمال، وقد نطقوا به على الأصل مهموزًا في قولهم:
أَلمْ تَرَ مَا لَاقَيْتُ وَالدَّهْرُ أَعْصُرُ ... وَمَنْ يَتَمَنَّى الْعَيْشَ يَرْأَى وَيَسْمَعُ
وربّما تركوا همز الماضي في قولهم:
صَاح هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعِ ... رَدَّ في الضَّرْعِ مَا قَرَا في الْحِلَابِ