[والثانى]: بمنزلة بعيد، وهو قول الفراء.

[والثالث]: بمنزلة البعد، وهو قول الزجاج، وابن الأنباري، فالأول نجعله بمنزلة الفعل، والثاني بمنزلة الصفة، والثالث بمنزلة المصدر. وفي "هيهات": ثلاث عشرة لغة، ذكرهن الواحديّ: "هيهات" -بفتح التاء، وكسرها، وضمها، مع التنوين فيهن، وبحذفه، فهذه ست لغات، و"أيهات" بالألف بدل الهاء الأولى، وفيها اللغات الست أيضا. والثالثة عشرة: "أيها" بحذف التاء من غير تنوين. وزاد غير الواحدى: "أيئات" بهمزتين بدل الهاءين، والفصيح المستعمل من هذه اللغات استعمالًا فاشيًّا "هيهات" بفتح التاء بلا تنوين. قال الأزهريّ: واتفق أهل اللغة على أن تاء هيهات ليست أصلية، واختلفوا في الوقف عليها، فقال أبو عمرو، والكسائيّ: يوقف بالهاء. وقال الفراء: بالتاء. انتهى كلام النوويّ (?).

وقال السنديّ في "شرحه": ويحتمل أن المعنى: إنا كنا نحفظ الحديث على الناس بالإلقاء عليهم، والرواية لهم، وحيث ظهرت فيهم الخيانة، فبعيد أن نروي لهم. وفيه أن كذب الناس يمنع من الأخذ، لا من تعليمهم، بل ينبغي أن يكون علّة لتعليمهم عقلًا، فإن الجهل يوجب الإكثار من الكذب، إلا أن يقال: إنهم كانوا يغيرون في النقل؛ لأنهم يَضَعُون الحديث، ومثل هذا إذا تُرك تعليمه لا يَنقُل، فلا يُغيّر. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الاحتمال الذي ذكره السنديّ بعيد من سياق كلام ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما جدّا، كما يتبيّن من قصّته مع بُشير بن كعب الآتية في التنبيه التالي، ففيه قوله: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف. فتبصّر، ولا تتحيّر. والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015