وإن لم يكن فيه نص صريح بلفظها، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يفهم من القرآن ما لا يفهمه غيره. وقد قال لما سئل عن الحمر: "ما أُنزل فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] (?). فانظر أخذ حكمها من أين؟. وقال ابن مسعود فيما أخرجه ابن أبي حاتم: ما من شيء إلا بُيِّنَ لنا في القرآن، ولكن فهمنا يقصر عن إدراكه، فلذلك قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]. فانظر هذا الكلام من ابن مسعود أحد أجلاء الصحابة، وأقدمهم إسلاما. قال بعضهم: السنة شرح للقرآن. وقد ألف ابن بُرَّجَان (?) كتابا في معاضدة السنة للقرآن. أخرج الشافعي والبيهقي من طريق طاوس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه". قال الشافعي: وهذا منقطع، وكذلك صَنَعَ -صلى الله عليه وسلم-، وبذلك أُمِر، وافتُرض عليه أن يتبع ما أُوحى إليه، ونشهد أن قد اتبعه، وما لم يكن فيه وحي فقد فرض الله في الوحي اتباع سنته، فمن قَبِل عنه فإنما قبل بفرض الله، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. قال البيهقي: وقوله: "في كتابه" -إن صحت هذه اللفظة- فإنما أراد فيما أُوحي إليه، ثم ما أُوحي إليه نوعان: أحدهما وحي يُتلَى، والآخر وحي لا يتلى. وقد احتج ابن مسعود من الآية التي احتج بها الشافعي بمثل ما احتج به في أن مَنْ قَبِل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبكتاب الله قبله، فإن حكمه في وجوب اتباعه حكم ما ورد به الكتاب، ثم أورد الحديث السابق في لعن الواشمات.

ثم قال البيهقي: "باب فيما ورد عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015