وأما أهل البدع والفسق، فهجرانهم يكون دائمًا إلى أن يتوبوا، فقد هجر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كعب ابن مالك وصاحبيه الذين خُلّفوا، وأمر بهجرانهم إلى أن نزل قبول توبتهم، وكان ذلك خمسين يومًا، كما هو مشهور في قصّتهم في "الصحيحين"، وغيرهما. والله تعالى أعلم.
5 - (ومنها): أن فيه تغيير المنكر، ومنع الرمي بالبندقة؛ لأنه إذا نَفَى الشارع أنه لا يصيد، فلا معنى للرمي به، بل فيه تعريض للحيوان بالتلف لغير مالكه، وقد ورد النهي عن ذلك. نعم قد يُدرِك ذكاة ما رُمي بالبندقة، فيحل أكله، ومن ثم اختُلف في جوازه، فصّرح مجلي في "الذخائر" بمنعه، وبه أفتي ابن عبد السلام. وجزم النووي بحله؛ لأنه طريق إلى الاصطياد، والتحقيق التفصيل، فإن كان الأغلب من حال الرمي ما ذُكِرَ في الحديث امتنع، وإن كان عكسه جاز، ولا سيما إن كان المرْميّ مما لا يَصِل إليه الرمي إلا بذلك، ثم لا يقتله غالبًا. وقد نُقل عن الحسن في كراهية رمى البندقة في القرى والأمصار، ومفهومه أنه لا يكره في الفلاة، فجعل مدار النهي على خشية إدخال الضرر على أحد من الناس. قاله في "الفتح" (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بالمنع هو الأظهر؛ لظاهر النصّ.
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه رحمه الله المذكور أول الكتاب قال:
18 - (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي بُرْدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ إِسْحَقَ ابْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيَّ النَّقِيبَ، صَاحِبَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، غَزَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَرْضَ الرُّومِ، فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ، وَهُمْ يَتَبَايَعُونَ كِسَرَ الذَّهَبِ بِالَدَّنَانِيرِ، وَكِسَرَ الْفِضَّةِ بِالدَّرَاهمِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ الرِّبَا، سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لَا تَبْتَاعُوا الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إِلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ، لَا زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَا نَظِرَةً"، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ لَا أَرَى الرِّبَا في هَذَا، إِلا مَا كَانَ مِنْ نَظِرَةٍ، فَقَال