الرفع بتقدير مبتدأ محذوف وجوبًا؛ لكونه نعت مدح: أي هو محمدٌ، أو إلى النصب بتقدير فعل محذوف كذلك: أي أمدح محمدًا. ولا يعترض على هذا كونه بصورة المجرور والمرفوع؛ لأن ذلك جائز في لغة بعض العرب، حيث يقفون على المنصوب المنوّن بالسكون، ورسمه يكون بصورة المرفوع والمجرور.
و (محمّد): علم لنبيّنا -صلى الله عليه وسلم-، وهو أشرف أسمائه منقول من اسم مفعول حُمّد المضعّف، وهو يتضمّن الثناء على المحمود، وإجلاله، وتعظيمه، ومحبّته، وهو علم وصفة، اجتمع فيه الأمران في حقه -صلى الله عليه وسلم-، وإذ كان علمًا محضًا في حقّ غيره، وقد أشبعت الكلام في هذا البحث في "شرح مقدّمة مسلم"، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.
(وَآلِهِ) بالجرّ عطفًا على "سيدنا"، واختُلف في أصله، فقيل: أهل، قُلبت الهاء همزةً، ثم سُهّلت، ولهذا إذا صُغّر رُدّ إلى أصله، فقيل: أُهيلٌ. وقيل: أصله أَوَلٌ بالتحريك، من آل يئول: إذا رجع، سمّي بذلك من يؤول إلا الشخص، ويضاف إليه، ولا يضاف إلا إلى معظّم، فلا يقال: آل الحجّام، ولا آل الإسكاف، بخلاف أهل، فإنه يستعمل في الأشراف وغيرهم، وإنّما قيل: آل فرعون؛ لتصوّره بصورة الأشراف، ولا يضاف أيضًا إلى غير العاقل، ولا إلى الضمير عند الأكثرين، وجوّزه بعضهم بقلّة، كما هنا، وكما في قول الشاعر:
وَانصُرْ عَلَى آلِ الصَّليـ ... ـبِ وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَكْ
واختُلف في المراد بالآل هنا، فقيل: من تحرم عليهم الصدقة، وهو نصّ الشّافعي، واختاره الجمهور، ورجحه السخاوي، وقيل: أزواجه وذرّيته. وقيل: ذريّة فاطمة رضي الله تعالى عنها وقيل: جميع قريش. وعن أحمد رحمه الله تعالى: المراد في حديث التشهّد أهل بيته. وقيل: جميع أمّة الإجابة، وهو قول مالك، واختاره الأزهري، ورجحه النوويّ في "شرح مسلم". وقيّده بعضهم، وهو الحقّ بالأتقياء منهم، وعليه يُحمل كلام من أطلقه، ويؤيّده قوله عز وجل: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34].