آخر سبب اقتراب إلى ربّ الأرباب، وقس على هذا العبادة، فإن منها ما يورث العجب والغرور، ومنها ما يورث النور والسرور والحبور، كالسيف والخيل ونحوهما، قد تجعل آلةً للجهاد مع الكفّار، ويُتوصّل بها إلى القرار في دار الأبرار، وقد يُتوصّل بها إلى قتل الأنبياء والأولياء، ويُنتهى بها إلى الدرك الأسفل من النار، بحسب ما قُسم لأهله قسمةً أزليّةً أبديّةً، مبنيّةً على جعل بعضهم مرائي الجمال، وبعضهم مظاهر الجلال، كما قال: {فَرِيقٌ في الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ في السَّعِيرِ} [الشورى: 7]، وقال: "خلقت هؤلاء للجنة ولا أبالي، وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي"، مشيرًا إلى قوله: {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون}، فبحر القضاء والقدر عريض عميق، لا يغوص فيه إلا من له تحقيق بتوفيق، يتحيّر فيه أرباب السواحل، ويَمضي منه أصحاب سفُن الشرائع الكوامل. قاله القاري (?).
(وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ، مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى) بالضمّ فُعْلَى من الطيب، كما تقدّم (لمِنْ جَعَلَ الله مَفَاتِيحَ الخيْرِ عَلَى يَدَيْهِ) بأن جاد على الناس من علمه، وعمله، وحاله، وماله (وَوَيْلٌ) أي هلاك (لمَنْ جَعَلَ الله مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ) أي بأن كان سببًا للكفر، والعصيان، والبطر، والطغيان، والبخل، وسوء العشرة مع الإخوان.
وذلك لأن الأول يشارك العاملين بالخير في الأجر، فثبتت له الجنة، والثاني يشارك العاملين بالشرّ الوزر، فثبت له الهلاك، قال السنديّ رحمه الله: وبما ذكرنا في المعنى ظهر لك ذكر هذا الباب في مسائل العلم. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، ونعم الوكيل.
قال الجامع عفا الله عنه: حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- هذا إسناده ضعيف؛ لاتفاق الأكثرين على تضعيف محمد بن أبي حميد الأنصاريّ، كما تقدّم في ترجمته.