بكبر جثّته، فإن الفيل أعظم منه جثة، ولا بشجاعته وقوّته، فإن الأسد أشجع منه وأقوى، ولا لأكله كثيرًا، فإن الجمل أوسع منه بطنًا، وأكثر أكلا، ولا ليجامع النساء، فإن أخس العصافير أقوى على السفاد منه، بل لم يُخلق إلا للعلم والعمل، قال الله -عز وجل-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فبهذه الخاصيّة الخاصّة يتميّز عن غيره من البهائم، فإذا عَدم العلم بقي معه القدر المشترك بينه وبين سائر البهائم، وهي الحيوانيّة المحضة، فلا يبقى فيه فضل عليهم، بل قد يبقى شرًّا منهم، كما قال تعالى في هذا الصنف من الناس: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]، وقال {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22]، فهؤلاء هم الجهال الذين لم يحصل لهم حقيقة الإنسانيّة التي يتميّز بها صاحبها عن سائر الحيوانات، قال بعضهم: ليت شعري أي خير أدرك من فاته العلم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع -عفا الله عنه-: حديث أبي أُمامة -رضي الله عنه- هذا تفرّد به المصنّف، وهو حديث ضعيف؛ لضعف علي بن يزيد الألهانيّ، فالجمهور على تضعيفه، بل قال بعضهم: منكر الحديث، وقال بعضهم: متروك الحديث، كما سبق في ترجمته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام ابن ماجه -رحمه الله- في أول الكتاب قال:
229 - (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَال الصَّوَّافُ، حَدَّثنَا دَاوُد بن الزِّبْرِقَان، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيسٍ، عن عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَاد، عَن عَبْدِ الله بْنِ يَزيد، عَنْ عَبد الله بنِ عَمْرو، قَالَ: خَرجَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ، مِنْ بَعْض حُجَرِهِ، فَدَخَلَ المسْجِدَ، فإِذَا هُوَ بِحَلقَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ، وَيَدْعُونَ الله، وَالْأُخْرَى يَتعَلَّمون وَيُعَلَّمُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "كلٌّ عَلَى خَيرٍ، هَؤُلَاءِ يَقرَءون الْقرْآنَ، وَيَدعُونَ الله، فَإِن شَاءَ أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شاءَ