وتحريم نكاح الأمهات، والبنات، والأخوات، ومن ذُكر معهنّ، وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حقّ، وما كان مثل هذا كلّه مما قد نطق به الكتاب، وأجمعت الأمة عليه.

ثم سائر العلم، وطلبه والتفقّه فيه، وتعليم الناس إياه، وفتواهم به في مصالح دينهم ودنياهم، والحكم به بينهم فرض على الكفاية، يلزم الجميع فرضه، فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين بموضعه، لا خلاف بين العلماء في ذلك، وحجتهم فيه قول الله -عز وجل-: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} الآية [التوبة: 122]، فألزم النفير في ذلك البعض دون الكلّ، ثم ينصرفون، فيُعلّمون غيرهم، والطائفة في لسان العرب الواحد فما فوقه.

قال: وروى يونس بن عبد الأعلى، وابن المقرىء، وابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: وجدنا علم الناس كله في أربع: أولها أن تعرف ربّك، والثاني: أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابع أن تعرف ما يُخرجك من دينك. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه الله- ملخّصًا، وهو بحث نفيس جدّا. والله تعالى أعلم بالصواب.

وقال الإمام ابن القيّم -رحمه الله تعالى-: في كتابه "مفتاح دار السعادة": العلم الذي هو فرض عين لا يسع مسلمًا جهله أنواعٌ:

[النوع الأول]: علم أصول الإيمان الخمسة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإن لم يؤمن بهذه الخمسة لم يدخل في باب الإيمان، ولا يستحقّ اسم المؤمن، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} الآية [البقرة: 177]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136]، ولمَّا سأل جبريل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر"، قال: صدقت، فالإيمان بهذه الأصول فرع معرفتها، والعلم بها.

[والنوع الثاني]: علم شرائع الإسلام، واللازم منها ما يخُصّ العبد من فعلها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015