يسع البالغ العاقل جهله، أو علم ما يطرأ له، أو أراد أنه فريضة على كلّ مسلم حتى يقوم به من فيه كفاية، قال: وقد سئل ابن المبارك عن تفسير هذا الحديث، فقال: ليس هو الذي يظنون، إنما هو أن يقع الرجل في شيء من أمور دينه، فيسأل عنه حتى يعلمه.
وقال البيضاويّ: المراد من العلم ما لا مندوحة للعبد منه، كمعرفة الصانع، والعلم بوحدانيته، ونبوة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكيفيّة الصلاة، فإن تعلّمه فرض عين.
(عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) أي مكلّف، فيخرج غير المكلّف، من الصبيّ والمجنون، وموضوعه الشخص، فيشمل الذكر والأنثى، وقد ألحق بعض المصنّفين بآخر هذا الحديث لفظة "ومسلمة"، قال الحافظ السخاويّ في "المقاصد الحسنة": وليس لها ذكر في شيء من طرقه، وإن كانت صحيحة المعنى.
(وَوَاضِعُ العِلْمِ عِندَ غيْرِ أَهْلِهِ) كمن لا يُصغي، ولا يفهم، أو من يريد به غرضًا دنيويًّا، أو من لا يتعلّمه لله تعالى (كَمُقَلِّدِ الخنَازِير الجوْهَر وَاللُّؤْلؤ وَالذَّهَبَ") هذا يُشعر بأن كلّ علم يختصّ باستعداد، وله أهل، فإذا وضعه: في غير موضعه، فقد ظلم، فمثّل معنى الظلم بتقليد أخسّ الحيوانات بأنفس الجواهر؛ تهجينًا لذلك الوضع، وتنفيرًا عنه، وما قيل [من الطويل]:
وَمَن مَنَحَ الجُهَّالَ علْمًا أَضَاعَهُ ... وَمَنْ مَنَعَ المُستَوجِبِينَ فَقَد ظلم
وتعقيبُ هذا التمثيل بقوله: "طلب العلم فريضة" إعلام بأنه ينبغي لكل أحد طلب ما يليق باستعداده، ويوافق منزلته بعد حصول ما هو واجب من الفرائض العامّة، وعلى العالم أن يخصّ كلَّ طالب بما هو مستعد له.
وقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" عن عليّ -رضي الله عنه- أنه قال: "حدّثوا الناس بما يَعرفون، أتحبّون أن يكذّب الله ورسوله؟ ".
قال في "الفتح" في شرح هذا الأثر: المراد بقوله: "بما يعرفون"، أي يفهمون، وزاد آدم بن أبي إياس في "كتاب العلم" له في آخره: "ودَعُوا ما ينكرون"، أي يشتبه عليهم