نفسه. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (?)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ. والله تعالى أعلم.
8 - (ومنها): ما قال القرطبيّ -رحمه الله-: أيضا: إنما خصّ العلماء بالوراثة، وإن كان العبّاد أيضًا قد ورِثُوا العلم بما صاروا به عُبّادًا؛ لأن العلماء هم الذين نابوا عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حملهم العلمَ عنه، وتبليغهم إياه لأمته، وإرشادهم لهم، وهدايتهم، وبالجملة هم العاملون بمصالح الأمة بعده الذّابّون عن سنّته، الحافظون لشريعته، فهؤلاء الأحقّ بالوراثة، والأولَى بالنيابة والخلافة، وأما الْعُبّاد فلم يُطلق عليهم اسم الورثة؛ لقصور نفعهم، ويسير حظّهم. انتهى (?).
9 - (ومنها): أن فيه إشارة إلى حقارة الدنيا، وأن الأنبياء لم يأخذوا منها إلا بقدر ضرورتهم، فلم يورّثوا شيئًا منها؛ لئلا يُتوهّم أنهم كانوا يطلبون الدنيا لتورث عنهم، وفيه إيماء إلى كمال توكلهم على الله تعالى في أنفسهم وأولادهم، وإشعار بأن طالب الدنيا ليس من العلماء الوارثين لهم، ولذا قال الغزاليّ -رحمه الله-: أقلّ العلم، بل أقلّ الإيمان أن يعرف أن الدنيا فانيةٌ، وأن الآخرة باقية، ونتيجة هذا العلم أن يُعرض عن الفاني، ويُقبل على الباقي.
[فإن قلت]: يُعارض هذا ما ثبت أنه كان للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان له صفايا بني النضير، وفدك، وخيبر إلى أن مات وخلفها، وكان لشعيب -عليه السلام- أغنام كثيرة، وكان أيوب وإبراهيم -عليهما السلام- ذَوَي ثروة ونعمة كثيرة.
[أُجيب]: بأن المراد أنه ما ورِثَ أولادهم، وأزواجهم شيئًا من ذلك، بل بقي بعدهم مُعَدّا لنوائب المسلمين.
وأخرج الطبرانيّ في "الأوسط" بإسناد حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه مرّ بسوق المدينة، فوقف عليها، فقال: يا أهل السوق ما أعجزكم؟ قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟