والمعنى أن هذا الأمير رفعه الله تعالى عليهم بهذه الأمور، وهم يعرفون منه ذلك، فيحترمونه، ويُعظّمونه، ويطيعون أمره، فتستقيم أمورهم، وتستقرّ أحوالهم (قَالَ عُمَرُ) -رضي الله عنه- عند ذلك، مستحسنًا فعل نافع، وأنه قد ولّى عليهم من يستحقّ الولاية (أَمَا) أداة استفتاح وتنبيه، كـ "ألا" (إِنَّ نَبِيَّكُم) بكسر همزة "إن"؛ لوقوعها في الابتداء -صلى الله عليه وسلم- (قَالَ: إِنَّ الله يَرْفَعُ) أي يشرّف، ويكرم في الدنيا والآخرة، بأن يحييهم حياةً طيّبةً في الدنيا، ويجعلهم {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] في الآخرة (بِهذَا الْكِتَابِ) أي القرآن الكريم البالغ في الشرف، وظهور البرهان مبلغًا لم يبلغه غيره من الكتب المنزّلة على الرسل المتقدّمة.

قال الطيبيّ: أطلق الكتاب على القرآن ليثبت الكمال؛ لأن اسم الجنس إذا أُطلق على فرد من أفراده يكون محمولًا على كماله، وبلوغه إلى حدّ هو الجنس كلّه، كأن غيره ليس منه انتهى (?) (أَقْوَامًا) أي يرفع درجة أقوام بسبب الإيمان به، وتعظيم شأنه، والعمل بما فيه (وَيَضَعُ بِهِ) أي يُحقّرهم، ويُصغّر قدرهم في الدنيا والآخرة، بسبب إعراضهم عنه، وعدم عنايتهم به، وتضييعهم حدوده، وجهلهم بها فيه (آخَرِينَ) وهم الذين لم يؤمنوا به، أو آمنوا، ولم يعملوا به، كما قال تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26]، وقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- هذا أخرجه مسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015