العلوم، فيكون مَن تعلمه، وعلمه لغيره أشرف ممن تعلّم غير القرآن، كان عَلَّمَه، فيثبت المُدَّعَى، ولا شكّ أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه، مُكَمِّل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر، والنفع المتعدي، ولهذا كان أفضل، وهو من جملة مَنْ عَنَى -سبحانه وتعالى- بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، والدعاء إلى الله يقع بأمور شَتَّى من جملتها تعليم القرآن، وهو أشرف الجميع، وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام، كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام: 157].
[فإن قيل]: فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه.
[قلنا]: لا؛ لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس، لأنهم كانوا أهل اللسان، فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة، أكثر مما يدريها مَنْ بَعدَهم بالاكتساب، فكان الفقه لهم سَجِيّةً، فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك، لا من كان قارئًا، أو مقرئًا مَحْضًا لا يفهم شيئًا من معاني ما يقرؤه أو يقرئه.
[فإن قيل]: فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم غَنَاءً في الإسلام بالمجاهدة، والرباط، والأمر بالعروف، والنهي عن المنكر مثلًا.
[قلنا]: حرف المسألة يدور على النفع المعتدّي، فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل، فَلَعَلَّ "مِنْ" مضمرةٌ في الخبر، ولا بُدّ مع ذلك من مراعاة الإخلاص في كل صنفٍ منهم. ويحتمل أن تكون الخيرية، كان أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين، خوطبوا بذلك، كان اللائق بحالهم ذلك، أو المراد خير المتعلمين مَنْ يعلم غيره، لا من يقتصر على نفسه، أو المراد مراعاة الحيثية؛ لأن القرآن خير الكلام، فمتعلمه خير من متعلم غيره بالنسبة إلى خيرية القرآن، وكيفما كان فهو مخصوص بمن عَلِمَ وتَعَلَّمَ، بحيث يكون قد عَلِمَ ما يجب عليه عَيْنًا (?).